السلام وعدوه فرعون إذ يقول:{مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}، وأن زكرويه يأمرهم أن يخفوا أمرهم، ويظهروا الانقلاع نحو الشام، ويسيروا نحو الكوفة حتى يصبِّحوها في غداة يوم النحر، وهو يوم الخميس لعشر تخلو من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومئتين، فإنهم لا يُمنعون منها، وأنه يظهر لهم، وينجز لهم وعَده الذي كانْت رسله تأتيهم به، وأن يحملوا القاسم بن أحمد معهم، فامتثلوا أمره، ووافوْا باب الكوفة، وقد انصرف الناس عن مصلّاهم مع إسحاق بن عمران عامل السلطان بها، وكان الذين وافوا باب الكوفة في هذا اليوم - فيما ذكر - ثمانمئة فارس أو نحوها، رأسهم الذبلانيّ بن مهرويه من أهل الصوعق، وقيل: هو من أهل جُنْبُلَاء، عليهم الدّروع والجواشن والآلة الحسنة، ومعهم جماعة من الرّجالة على الرّواحل فأوقعوا بمَنْ لحقوه من العوامّ، وسلبوا جماعة، وقتلوا نحوًا من عشرين نفسًا، وبادر الناس إلى الكوفة فدخلوها، وتنادَوْا السلاح، فنهض إسحاق بن عمران في أصحابه، ودخل مدينة الكوفة من القَرامطة زهاء مئة فارس من الباب المعروف بباب كندة، فاجتمعت العوامّ وجماعة من أصحاب السلطان، فرموْهم بالحجارة وحاربوهم وألقوا عليهم السُّتُر، فقتِل منهم زهاء عشرين نفسًا، وأخرجوهم من المدينة، وخرج إسحاق بن عمران ومَنْ معه من الجند، فصافُّوا القرامطة الحرب، وأمر إسحاق بن عمران أهل الكوفة بالتحارس لئلا يجد القرامطة غِرّة منهم، فيدخلوا المدينة، فلم يزل الحرب بينهم إلى وقت العصر يوم النّحر، ثمَّ انهزمت القرامطة نحو القادسيّة، وأصلح أهل الكوفة سورَهم وخندقهم، وقاموا مع أصحاب السلطان يحرُسون مدينَتهم ليلًا ونهارًا.
وكتب إسحاق بن عمران إلى السلطان يستمدّه، فندب للخروج إليه جماعة من قوّاده، منهم طاهر بن عليّ بن وزير، ووصيف بن صوار تكبن التركيّ، والفضل بن موسى بن بغا، وبشر الخادم الأفشيني، وجنى الصَّفوانيّ، ورائق الخزريّ. وضمّ إليه جماعةً من غلمان الحُجَر وغيرهم، فشخص أولهم يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجة، ولم يرأس واحد منهم؛ كلُّ واحد منهم رئيس على أصحابه. وأمر القاسم بن سيما وغيره من رؤساء الأعراب بجمع الأعراب من البوادي بديار مُضَر وطريق الفرات ودَقُوقاء وخانيجَار وغيرها من النواحي،