لينهضوا إلى هؤلاء القرامِطة إذْ كان أصحاب السلطان متفرّقين في نواحي الشام ومصر، فمضت الرسائل بذلك إليهم، فحضروا، ثمَّ ورد الخبر فيها بأنّ الذين شخصوا مددًا لإسحاق بن عمران خرجوا إلى زكرويه في رجالهم، وخلّفوا إسحاق بن عمران بالكوفة مع مَنْ معه من رجاله ليضبطها، وصاروا إلى موضع بينه وبين القادسيّة أربعة أميال، يعرف بالصؤر وهي في البرّية في العرض، فلقيهم زكرويه هنالك فصافّوه يوم الإثنين لتسع بقين من ذي الحجة.
وقد قيل كانت الوقعة يوم الأحد لعشر بَقِين منه، وجعل أصحاب السلطان بينهم وبين سوادهم نحوًا من ميل، ولم يخلّفوا أحدًا من المقاتلة عنده، واشتدّت الحرب بينهم، وكانت الدّبَرة أوّل هذا اليوم على القرمطيّ وأصحابه حتى كادوا أن يظفروا بهم، وكان زكرويه قد كَمّن عليهم كمينًا من خلفهم، ولم يشعروا به، فلما انتصف النهار خرج الكمين على السواد فانتهبه، ورأى أصحاب السلطان السيف من ورائهم، فانهزموا أقبَح هزيمة، ووضع القرمطيّ وأصحابه السيفَ في أصحاب السلطان، فقتلوهم كيف شاؤوا، وصبر جماعة من غلمان الحجَر من الخزر وغيرهم، وهم زهاء مئة غلام، وقاتلوا حتى قُتِلوا جميعًا بعد نكاية شديدة نَكَوْها في القرامطة، واحتوت القرامطة على سواد أصحاب السلطان فحازوه، ولم يُفِلت من أصحاب السلطان إلَّا مَنْ كان في دابته فَضْل فنجا به، أو من أثخِن بالجراح، فطرح نفسَه في القتلى، فتحامل بعد انقضاء الوقعة حتى دخل الكوفة، وأخذ للسلطان في هذا السّواد، مما كان وجّه به مع رجاله من الجمّازات، عليها السلاح والآلة زهاء ثلاثمئة جمّازة، ومن البِغال خمسمئة بغل.
وذكر أن مبلغ مَنْ قتِل من أصحاب السلطان في هذه الوقعة سوى غلمانهم والحمّالين ومَنْ كان في السواد ألف وخمسمئة رجل، فقوَي القرمطيّ وأصحابه بما أخذوا في هذه الوقعة، وتطرّف بيادرَ كانت إلى جانبه، فأخذ منها طعامًا وشعيرًا، وحمله على بغال السلطان إلى عسكره، وارتحل من موضع الوقعة نحوًا من خمسة أميال في العرض إلى موضع يقرب من الموضع المعروف بنهر المثنيّة، وذلك أن روائح القتلى آذتهم.
وذكر عن محمَّد بن داود بن الجراح أنَّه قال: وافى بابَ الكوفة الأعرابُ الذين