فسألهم عن القافلة فأخبروه أنها لم تقُم بواقصة، فاتّهمهم بإنذارهم إياهم، فقتَل من العلافين بها جماعة، وأحرق العلف، وتحصّن أهلُها في حصنهم، فأقام بها أيامًا، ثمَّ ارتحل عنها نحو زبالة.
وذكر عن محمَّد بن داود أنَّه قال: إن العساكر سارت في طلب زكرويه نحو عيون الطفّ، ثمَّ انصرفت عنه لمّا علمت بمكانه بسلْمان، ونفذ علَّان بن كُشمَرْد مع قطعة من فرسان الجيش متجرّدة على طريق جادّة مكة نحو زكرويه حتى نزلوا السِّبال، فمضى نحو واقصة حتى نزلها بعد أن جازت القافلة الأولى، ومرّ زكرويه في طريقه بطوائف من بني أسد، فأخذها من بيوتها معه، وقصد الحاجّ المنصرفين عن مكة، وقصد الجادّة نحوهم.
ووافَى خبرُ العطير من اللحوق لأربع عشر بقيتْ من المحرّم من هذه السنة بأن زكرويه اعترض قافلة الخُراسانية يوم الأحد لإحدى عشرة خلت من المحرّم بالعقبة من طريق مكة، فحاربوه حربًا شديدًا، فساءلهم: وقال: أفيكم السلطان؟ قالوا: ليس معنا سلطان، ونحن الحاجّ، فقال لهم: فامضوا فلستُ أريدكم، فلما سارت القافلة تَبِعها فأوقع بها، وجعل أصحابه ينخسون الجمال بالرّماح، ويبعجونها بالسيوف، فنفرت واختلطت القافلة، وأكبّ أصحاب الخبيث على الحاج يقتلونهم كيف شاؤوا، فقتلوا الرّجال والنساء، وسَبوْا من النساء من أرادوا واحتووا على ما كان في القافلة، وقد كان لقيَ بعض مَنْ أفلت من هذه القافلة عَلَّان بن كشمرد، فسأله عن الخبر، فأعلمه ما نزل بالقافلة الخراسانية، وقال له: ما بينك وبين القوم إلَّا قليل، والليلة أو في غد توافي القافلة الثانية، فإن رأوا عَلمًا للسلطان قويتْ أنفسهم، واللهَ اللهَ فيهم! فرجع عَلّان من ساعته، وأمر مَنْ معه بالرجوع، وقال: لا أعرّض أصحاب السلطان للقتل، ثمَّ أصعد زكرويه، ووافته القافلة الثانية.
وقد كان السلطان كتب إلى رؤساء القافلتين الثانية والثالثة ومن كان فيهما من القوّاد والكُتّاب مع جماعة من الرّسل الذين تنكَّبوا طريق الجادّة بخبر الفاسق وفعله بالحاجّ، ويأمرهم بالتحرّز منه، والعدول عن الجادّة نحو واسط والبصرة، أو الرجوع إلى فَيْد أو إلى المدينة، إلى أن يُلحِق بهم الجيوش.
ووصلت الكتب إليهم فلم يسمعوا ولم يقيموا، ولم يلبثوا وتقدّم أهل القافلة