الثانية وفيها المبارك القُمّيّ وأحمد بن نصر العُقيليّ وأحمد بن عليّ بن الحسين الهمذانيّ، فوافوا الفجرة وقد رحلوا عن واقصة وعوَّروا مياهها، وملؤوا بركها وآبارها بجيف الإبل والدوابّ التي كانت معهم، مشقّقة بطونها، ووردُوا منزل العقبة في يوم الإثنين لاثنتي عشرة خلتْ من المحرّم، فحاربهم أصحاب القافلة الثانية، وكان أبو العشائر مع أصحابه في أوّل القافلة ومبارك القميّ فيمن معه في ساقتها، فجرت بينهم حربٌ شديدة حتى كشفوهم، وأشرفوا على الظفر بهم، فوجد الفجرة من ساقتِهم غِرّة، فركبوهم من جهتها، ووضعوا رماحهم في جنوب إبلهم وبطونها، فطحنتهم الإبل وتمكنوا منهم، فوضعوا السيف فيهم فقتلوهم عن آخرهم، إلا مَنْ استعبدوه، ثمَّ أنفذوا إلى ما دون العقبة بأميال فوارس لحقوا المُفلتة من السيف، فأعطوْهم الأمان، فرجعوا فقتلوهم أجمعين، وسَبَوْا من النساء ما أحبُّوا، واكتسحوا الأموال والأمتعة، وقُتل المبارك القميّ والمظفر ابنه، وأسِر أبو العشائر، وجُمع القتلى، فُوضع بعضهم على بعض، حتى صاروا كالتلّ العظيم، ثمَّ قطِعت يدا أبي العشائر ورجلاه، وضُربت عنقه، وأطلِق من النساء مَنْ لم يرغبوا فيه، وأفلت من الجرحى قومٌ وقعوا بين القتلى، فتحاملوا في الليل ومضوا؛ فمنهم من مات، ومنهم مَنْ نجا وهم قليل، وكان نساءُ القرامطة يَطُفْن مع صبيانهم في القتلَى يعرضون عليهم الماء، فمَن كلّمهم أجهزوا عليه.
وقيل: إنه كان في القافلة من الحاج زهاء عشرين ألف رجل، قُتل جميعهم غير نفر يسير ممّن قويَ على العدوّ، فنجا بغير زاد ومَن وقع في القتل وهو مجروح، وأفلت بعدُ، أو مَن استعبدوه لخدمتهم.
وذكر أن الذي أخذوا من المال والأمتعة الفاخرة في هذه القافلة قيمةُ ألفي ألف دينار.
وذكر عن بعض الضرّابين: أنَّه قال: وردت علينا كتب الضرّابين بمصر: أنكم في هذه السنة تستغنون، قد وجّه آل ابن طولون والقوّاد المصريون الذين أشخِصوا إلى مدينة السلام، ومَنْ كان في مثل حالهم في حمل ما لهم بمصر إلى مدينة السلام، وقد سبكوا آنية الذهب والفضة والحلي نِقَارًا، وحمل إلى مكة