فأصابوا منهم رجلًا وتحاوزوا واقتتلوا؛ ورفَدَت قريش بني بكْر بالسِّلاح؛ وقاتل معه من قريش مَنْ قاتل بالليل مستخفيًا؛ حتى حازوا خُزاعة إلي الحَرم.
رجع الحديث إلي حديث ابن إسحاق، قال: فلما انتهوْا إليه قالت بنو بكْر: يا نوفل، إنا قد دخلْنا الحرم إلهَك إلهَك؛ فقال: كلمة عظيمة إنه لا إله له اليوم! يا بني بكْر أصيبوا ثأْركم، فلعمري إنكم لتسرقُون في الحرم؛ أفلا تصيبون ثأركم فيه! وقد أصابوا منهم ليلة بَيَّتوهم بالوتير رجلًا يقال له منبّه، وكان منبّه رجلًا مفؤودًا خرج هو ورجل من قومه، يقال له تميم بن أسد -فقال له منبّه: يا تميم، انجُ بنفسك؛ فأمّا أنا فوالله إني لميّتٌ قتلوني أو تركوني؛ لقد انبتَّ فؤادي. فانطلق تميم فأفلَت، وأدركوا منبّهًا فَقتلوه- فلمّا دخلت خُزاعة مكة لجؤوا إلي دار بُدَيل بن ورْقاء الخُزاعيّ، ودار مولى لهم يقال له رافع.
قال: فلما تظاهرتْ [بنو بكر و] قُريش علي خُزاعة، وأصابوا منهم ما أصابوا، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العهد والميثاق بما استحلّوا من خُزاعة -وكانوا في عَقْده وعهدِه- خرج عمرو بن سالم الخُزاعيّ، ثم أحد بني كعب؛ حتى قدِم علي رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة؛ وكان ذلك ممّا هاج فتح مكة؛ فوقف عليه وهو في المسجد جالسٌ بين ظهرانَيِ الناس، فقال:
لا همّ إنِّي ناشدٌ مُحمّدا ... حلْفَ أبينا وأبيه الأتْلدَا
فوالِدًا كُنَّا وَكُنْتَ وَلدَا ... ثمَّتَ أَسلَمْنا فلم نَنْزِعْ يَدَا
فانْصُر رسول الله نَصْرًا أعْتَدَا ... وادْعُ عِبَادَ اللهِ يأتوا مَدَدَا
فيهم رسول اللهِ قد تَجَرَّدَا ... أبْيَض مثْل البَدْرِ يَنْمِي صُعدَا
إن سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبّدَا ... في فَيلَقٍ كالبَحْر يجْري مُزْبدَا
إنّ قريشًا أخلفوك الموْعِدا ... ونَقَضُوا ميثاقك المُؤَكَّدا
وجعلوا لي في كَدَاء رَصَدَا ... وزعموا أَن لسْتُ أَدْعُو أَحَدا
وَهُمْ أذَلُّ وأقَلُّ عَدَدَا ... هُمْ بَيَّتُونَا بالوَتِيرِ هُجَّدَا
فقتَّلونا رُكَّعًا وَسُجّدَا
يقول: قد قتّلونا وقد أسلمنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينَ سمع ذلك: قد نُصرْتَ