قال: فلما أكثر عمر في شأنه، قلت: مهلًا يا عمر. أما والله أن لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا ولكنك عرفت أنه من رجال بني عبد مناف فقال: مهلًا يا عباس، والله لإسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام أبي لو أسلم. وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إسلام الخطاب. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذهب به إلي رحلك يا عباس، فإذا أصبحت فائتني به" فذهبت به إلي رحلي فبات عندي، فلما أصبح غدوت به علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله؟ ". قال: بأبي أنت وأمي ما أكرمك وأحلمك وأوصلك والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغني عني شيئًا. قال: "ويحك يا أبا سفيان ألم يان لك أن تعلم أني رسول الله؟ قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، هذه والله كان في النفس منها شيء حتى الآن. قال العباس: قلت: ويحك يا أبا سفيان أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قبل أن يضرب عنقك. قال؛ فتشهد شهادة الحق وأسلم. قلت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له شيئًا قال: "نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن". فلما ذهب لينصرف. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها". قال: فخرجت به حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أحبسه. قال: ومرت به القبائل علي راياتها فكلما مرت قبيلة قال: من هؤلاء يا عباس؟ فأقول: بني سليم فيقول: وما لي ولسليم. قال: ثم تمر القبيلة، فيقول: من هؤلاء؟ فأقول مزينة، فيقول: ما لي ولمزينة حتى تعدّت القبائل -يعني جاوزت لا تمر قبيلة إلا قال: من هؤلاء؟ فأقول: بنو فلان. فيقول ما لي ولبني فلان. حتى مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخضراء (كتيبة) فيها المهاجرون والأنصار لا يري منهم سوى الحدق قال: سبحان الله من هؤلاء يا عباس؟ قلت: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيمًا. قلت: يا أبا سفيان، إنها النبوة. قال: فنعم إذا. فقلت: النجاء إلي قومك. قال: فخرج حتى إذا جاءهم صرخ بأعلي صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما =