المؤذن، فلمَّا قضى المؤذن أذانه قام عمر، فحمِد الله وأثنى عليه، وقال: أمَّا بعد، فإنّي أريد أن أقول مقالة قد قُدّر أن أقولها، مَنْ وعاها، وعَقَلها، وحفظها؛ فليحدّث بها حيث تنتهي به راحلته، ومَنْ لم يعِها فإني لا أحلُّ لأحد أن يكذِبَ عليّ: إن الله عزَّ وجلَّ بعثَ محمدًا بالحق، وأنزل عليه الكتاب؛ وكان فيما أنزل عليه آية الرَّجْمِ، فرجم رسولُ الله ورجمنا بعده، وإني قد خشيتُ أن يطولَ بالناس زمان، فيقول قائل: والله ما نجد الرَّجْم في كتاب الله، فيَضلوا بتَرْكِ فريضة أنزلها الله، وقد كنا نقول: لا تَرْغبوا عن آبائكم؛ فإنه كفرٌ بكم أن ترغبوا عن آبائكم. ثم إنه بلَغني أن قائلًا منكم يقول: لو قد مات أمير المؤمنين بايعت فلانًا! فلا يَغُرَّن امرأً أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فَلْتَة؛ فقد كان كذلك؛ غيرَ أن الله وَقى شرَّها؛ وليس منكم من تُقطعُ إليه الأعناق مثل أبي بكر! وإنه كان من خَبَرِنا حين توفّى الله نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أن عليًّا والزُّبير ومَنْ معهما تخلَّفوا عنا في بيت فاطمة، وتخلَّفت عنا الأنصار بأسْرِها، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نؤمُّهم؛ فلقيَنا رجلان صالحان قد شهدا بدرًا، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننَا هؤلاء من الأنصار. قالا: فارجعوا فاقضوا أمرَكم بينكم. فقلنا: والله لنأتينَّهم! قال: فأتيناهم وهم مجتمعون في سَقيفة بني ساعدة. قال: وإذا بين أظهرهم رجلٌ مزمَّلٌ، قال: قلتُ: مَنْ هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما شأنه؟ قالوا: وَجِعٌ، فقام رجلٌ منهم، فحمِد الله، وقال: أمَّا بعد، فنحنُ الأنصار وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشرَ قريش رهطُ نَبيّنا؛ وقد دفّت إلينا من قومكم دَافّةٌ. قال: فلما رأيتهم يريدون أن يختزِلُونا من أصلِنا، ويغصِبونا الأمر. وقد كنت زوَّرت في نفسي مقالةً أقدمها بين يدي أبي بكر، وقد كنت أداري منه بعض الحدّ، وكان هو أوقرَ منّي وأحلم؛ فلمَّا أردت أن أتكلم، قال: على رِسْلِكَ! فكرهت أن أعصيَه؛ فقام فحمد الله وأثنى عليه، فما ترك شيئًا كنتُ زوّرت في نفسي أن أتكلَّم به لو تكلمت؛ إلا قد جاء به أو بأحسنَ منه. وقال: أما بعدُ يا معشرَ الأنصار! فإنكم لا تذكُرون منكم فضلًا إلَّا وأنتم له أهلٌ؛ وإنَّ العربَ لا تعرف هذا الأمرَ إلَّا لهذا الحيّ من قريش؛ وهم أوسط [العرب] دارًا ونسبًا، ولكن قد رضيتُ لكم أحدَ هذين الرجلين، فبايعوا أيَّهما شئتم. فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح. وإنّي والله ما كرهتُ من كلامه شيئًا غيرَ هذه الكلمة؛ إن