للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنت لأقَدَّم؛ فتُضْرَب عنقي فيما لا يقرّبني إلى إثم أحبُّ إليَّ من أن أؤمَّر على قوم فيهم أبو بكر. فلمَّا قضى أبو بكر كلامَه، قام منهم رجلٌ، فقال: أنَا جُذيلُها المُحَكّك، وعُذَيقُها المُرَجَّب؛ منَا أمير ومنكم أمير؛ يا معشر قريش!

قال: فارتفعت الأصوات، وكثر اللَّغَط، فلمَّا أشفقت الاختلاف، قلت لأبي بكر: ابسُط يدك أبايعْك، فبسط يده فبايعتُه وبايعه المهاجرون، وبايعه الأنصار. ثم نزونا على سعد، حتى قال قائلهم: قتلتُم سعد بن عبادة! فقلت: قتل الله سعدًا! وإنا والله ما وجدنا أمرًا هو أقوى من مبايعة أبي بكر؛ خشينا إنْ فارقنا القوم ولم تكن بيعةٌ أن يحدِثوا بعدنا بيعة، فإما أن نتابعهم على ما لا نرضَى، أو نخالفهم فيكون فساد (١). (٣: ٢٠٣/ ٢٠٤ / ٢٠٥/ ٢٠٦).


(١) حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الحدود / ح ٦٨٣٠) عن ابن عباس رضي الله عنه (قال: كنت: أقرئ رجالًا من المهاجرين ... الحديث) وفيه: (فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتةً وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرَّها، وليس فيكم من تُقطعُ الأعناقُ إليه مثلُ أبي بكرٍ، من بايع رجلًا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايعُ هو ولا الذي بايعه تغرَّةً أن يقتلا، وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر، انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكروا ما تمالأ عليه القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم. فقلت: والله لنأتينَّهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مُزَمَّلٌ بين ظهرانيهم. فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة. فقلت: ماله؟ قالوا: يُوعَك. فلما جلسنا قليلًا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله. ثم قال: أما بعدُ فنحنُ أنصارُ الله. وكتيبة الإسلام وأنتم -معشر المهاجرين- رهط، وقد دفَّتِ دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يغصبونا من الأمر. فلما سكت أردت أن أتكلم -وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر- وكنت أداري منه بعض الحد. فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك. فكرهت أن أُغضِبَهُ، فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر. والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت. فقال: ما ذكرتم من خير فيكم فأنتم له أهل، ولن يُعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبًا ودارًا. وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيّهما شئتم - فأخذ بيدي ويد =

<<  <  ج: ص:  >  >>