والناس يقتتلون، فلما هزَّتْ عُيَينة الحرب، وضرَس القتال، كرَّ على طليحة، فقال: هل جاءك جبريل بعد؟ قال: لا، قال: فرجع فقاتل حتى إذَا ضرَس القتال وهزَّته الحرب كرَّ عليه فقال: لا أبا لك! أجاءك جبريل بعد؟ قال: لا والله، قال: يقول عُيينة حلِفًا: حتى متى! قد والله بلَغ منّا! قال: ثم رجع فقاتل، حتى إذا بلغ كرَّ عليه، فقال: هل جاءك جبريل بعد؟ قال: نعم، قال: فماذا قال لك؟ قال: قال لي: "إنَّ لك رحًا كرَحاه، وحديثًا لا تنساه"، قال: يقول عيينة: أظنَّ أن قد علم الله أنه سيكون حديث لا تنساه؛ يا بني فزارة هكذا؛ فانصرفوا؛ فهذا والله كذَّاب. فانصرفوا وانهزم الناس فغَشوا طليحة يقولون: ماذا تأمرنا؟ وقد كان أعدّ فرسه عنده، وهيّأ بعيرًا لامرأته النَّوَار، فلما أن غَشَوه يقولون: ماذا تأمرنا؟ قام فوثب على فرسه، وحمل امرأته ثم نجا بها، وقال: من استطاع منكم أن يفعل مثل ما فعلت وينجو بأهله فلْيفعل؛ ثم سلك الحوشيَّة حتى لحق بالشأم وارفضّ جمعه؛ وقتل الله مَن قتل منهم، وبنو عامر قريبًا منهم على قادتِهم وسادتهم؛ وتلك القبائل من سُلَيم وهوازن على تلك الحال؛ فلما أوقع الله بطُليحة وفَزَارة ما أوقع، أقبل أولئك يقولون: ندخل فيما خرجنا منه، ونؤمن بالله ورسوله، نُسلم لحُكْمه في أموالنا وأنفسنا. (٣: ٢٥٦).
١٩ - قال أبو جعفر: وكان سبب ارتداد عُيينة، وغطَفان، ومَن ارتدَّ من طيئ ما حدثنا عبيد الله بن سعد، قال: أخبرني عمّي، قال: أخبرني سيف - وحدثني السريّ قال: حدَّثنا شعيب عن سيف - عن طلحة بن الأعلم عن حبيب بن ربيعة الأسَديِّ، عن عُمارة بن فلان الأسديّ، قال: ارتدَّ طُلَيحة في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فادَّعى النبوّة، فوجَّه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ضِرار بن الأزور إلى عمَّاله علي بني أسد في ذلك، وأمرهم بالقيام في ذلك على كلّ مَن ارتدَّ، فأشجوْا طليحة وأخافوه، ونزل المسلمون بوَارِدَات. ونزل المشركون بسَمِيراء، فما زال المسلمون في نماء والمشركون في نقصان؛ حتى همَّ ضِرار بالمسير إلى طُليحة، فلم يَبْق [أحد] إلَّا أخذه سلَمًا، إلَّا ضربة كان ضربها بالجُراز، فنبا عنه، فشاعت في النّاس، فأُتي المسلمون وهم على ذلك بخبر موتِ نبيّهم - صلى الله عليه وسلم - وقال ناس من الناس لتلك الضربة: إنَّ السلاح لا يُحيك في طليحة؛ فما أمسى المسلمون من ذلك اليوم حتى عرفوا النقصان، وارفضَّ الناس إلى طُليحة واستطار أمرُه، وأقبل ذو الخِمارين