الرِّجال؛ والله لوددت أنّ الأشقر بَراءٌ من توجّيه؛ وأنهم أضعفوا في العدد - وكان فرسه قد حفِيَ في مسيره - قالا: فأمر خالد عِكرمة والقَعْقاع، وكانا على مجنَّبتي القَلْب، فأنشبا القِتال، وارتجز القعقاع وقال:
يا ليتني ألقاك في الطِّرادِ ... قبلَ اعتِرام الجَحْفَلِ الوَرَّادِ
وأنت في حَلْبتك الورادِ
وقال عِكْرمة:
قد عَلِمتْ بَهْكَنةُ الجواري ... أنِّي على مَكْرُمةٍ أحامِي
فنشب القتال، والتحمَ النَّاس، وتطارد الفرسان؛ فإنَّهم على ذلك؛ إذ قدم البريد من المدينة؛ فأخذته الخيول؛ وسألوه الخَبر؛ فلم يخبرهم إلّا بسلامة، وأخبرهم عن أمداد؛ وإنما جاء بموت أبي بكر رحمه الله وتأمير أبي عبيدة، فأبلغوه خالدًا، فأخبره خبَر أبي بكر، أسرّه إليه، وأخبره بالَّذي أخبر به الجندَ. قال: أحسنتَ فقفْ، وأخذ الكتاب وجعله في كنانته؛ وخاف إن هو أظهر ذلك أن ينتشر له أمر الجند؛ فوقف محميَة بن زُنَيم مع خالد؛ وهو الرسول، وخرج جَرَجة؛ حتى كان بين الصفَّين، ونادى: ليخرجْ إليّ خالد، فخرج إليه خالد وأقام أبا عبيدة مكانه، فوافقه بين الصّفَّين؛ حتى اختلفت أعناق دابَّتيهما، وقد أمَّن أحدُهما صاحبه، فقال جَرَجَة: يا خالد! اصدقْني، ولا تكذِبْني؛ فإنّ الحرّ لا يكذِب، ولا تخادعني؛ فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله: هل أنزل الله على نبيّكم سيفًا من السماء فأعطاكه، فلا تسلَّه على قوم إلّا هزمتهم؟ قال: لا، قال: فبمَ سُميت سيف الله؟ قال: إن الله عزّ وجلّ بعث فينا نبيَّه - صلى الله عليه وسلم -، فدعانا فنفرْنا عنه ونأينا عنه جميعًا. ثم إنّ بعضنا صدّقه وتابعه؛ وبعضنا باعده وكذّبه؛ فكنت فيمن كذّبه وباعده وقاتله. ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا؛ فهدانا به، فتابعناه. فقال:"أنت سيف من سيوف الله سلَّه الله على المشركين! ". ودعا لي بالنّصر؛ فسُمِّيت سيف الله بذلك؛ فأنا من أشدّ المسلمين على المشركين. قال: صدقتَني، ثم أعاد عليه جَرَجة: يا خالد! أخبرْني إلامَ تدعوني؟ قال: إلى شهادة أن لا إِله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله، قال: فمنْ لم يُجبْكم؟ قال: فالجِزْيَة ونمنعهم، قال: فإن لم يعطِها، قال: نؤذنه بحرب، ثم نقاتله. قال: فما منزلةُ الَّذِي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا الأمر