للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليوم؟ قال: منزلتُنا واحدة فيما افترضَ الله علينا، شريفنا ووضيعنا، وأوّلنا وآخرنا. ثم أعاد عليه جَرَجة: هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالدُ مثل ما لكم من الأجر والذُّخْر؟ قال: نعم، وأفضل؛ قال: وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟ قال: إنَّا دخلْنا في هذا الأمر، وبايَعْنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهو حيّ بين أظهرنا، تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتب، ويرينا الآيات، وحقّ لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا، أن يُسْلِم ويبايع؛ وإنكم أنتم لم تروْا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحُجَج؛ فَمنْ دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونيَّة كان أفضَل منَّا. قال جرجة: بالله لقد صدَقتني ولم تخادعْني ولم تألّفني! قال: بالله لقد صدقتُك وما بي إليك ولا إلى أحد منكم وحشة! وإنَّ الله لَوليُّ ما سألت عنه. فقال: صدقتَني؛ وقلب التّرس ومال مع خالد، وقال: عَلِّمْني الإسلام، فمال به خالد إلى فَسطاطه، فشنّ عليه قِربَة من ماء، ثم صلَّى ركعتين؛ وحملت الرُّوم مع انقلابه إلى خالد؛ وهم يروْن أنَّها منه حملة، فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية، عليهم عِكرمة والحارث بن هشام. وركب خالدٌ ومعه جَرجة والرُّوم خلال المسلمين؛ فتنادَى الناس، فثابوا، وتراجعت الرُّوم إلى مواقفهم، فزحف بهم خالد حتى تصافحوا بالسيُّوف، فضرب فيهم خالد وجَرَجَة من لدن ارتفاع النهار إلى جُنُوح الشمس للغروب، ثم أصِيبَ جرجَة ولم يصلِّ صلاة سجد فيها إلا الرّكعتين اللَّتين أسلم عليهما، وصلَّى الناس الأولى والعصر إيماءً، وتضعضع الروم، ونَهَد خالد بالقلب حتَّى كان بين خيلهِم ورجْلهم، وكان مقاتلهُم واسعَ المطَّرد، ضيّق المهرب؛ فلمَّا وجدت خيلُهم مذهَبًا؛ ذهبت وتركوا رَجْلهم في مصافِّهم؛ وخرجت خيلُهم تشتدّ بهم في الصحراء، وأخَّر النَّاس الصلاة حتى صلّوا بعد الفتح. ولما رأى المسلمون خيلَ الروم توجَّهت للهَرب؛ أفرجوا لها، ولم يحرّجوها؛ فذهبت فتفرّقت في البلاد، وأقبل خالد والمسلمون على الرّجْل ففضّوهم؛ فكأنما هُدِم بهم حائط؛ فاقتحموا في خندقهم، فاقتحمه عليهم فعَمَدوا إلى الواقوصة، حتى هوى فيها المقترنون وغيرُهم، فمَنْ صبر من المقترنين للقتال هوى به من خشَعتْ نفسُه، فيهوي الواحد بالعشرة لا يطيقونه؛ كلَّما هوى اثنان كانت البقيَّة أضعف، فتهافت في الواقوصة عشرون ومئة ألف؛ ثمانون ألف مقترن وأربعون ألف مطلق؛ سوى مَنْ قُتِل في المعركة من الخيل والرّجل؛ فكان سهم الفارس يومئذ ألفًا وخمسمئة، وتجلّل الفيقار وأشرافٌ من

<<  <  ج: ص:  >  >>