الكوكبد والخرُكبْذ. وكتب إلى المثنَّى: من شهر براز إلى المثنَّى؛ إني قد بعثتُ إليك جندًا من وخش أهل فارس، إنما هم رُعاة الدّجاج والخنازير؛ ولست أقاتلك إلّا بهم. فأجابه المثنَّى: من المثنَّى إلى شهر براز؛ إنما أنتَ أحدُ رجلين: إما باغٍ فذلك شرٌّ لك وخيرٌ لنا، وإمَّا كاذب فأعظم الكذّابين عقوبةً وفضيحة عند الله في الناس الملوك. وأما الذي يدلّنا عليه الرأي؛ فإنَّكم إنما اضطررتم إليهم؛ فالحمد لله الذي ردّ كيدكم إلى رعاة الدّجاج والخنازير. فجزع أهلُ فارس من كتابه، وقالوا: إنما أتِيَ شهربراز من شؤم مولده ولؤم مَنشئه - وكان يسكن ميسان - وبعض البلدان شَينٌ على مَنْ يسكنه.
وقالوا له: جرّأت علينا عدوَّنا بالَّذي كتبت به إليهم؛ فإذا كاتبت أحدًا فاسْتَشِرْ. فالتقوْا ببابل، فاقتتلوا بعُدوة الصَّراة الدُّنيا على الطريق الأوّل قتالًا شديدًا.
ثم إن المثنّى وناسًا من المسلمين اعتورُوا الفيل - وقد كان يفرّق بين الصفوف والكراديس - فأصابوا مقتَله، فقتلوه وهزموا أهلَ فارس، واتّبعهم المسلمون يقتلونهم، حتى جازوا بهم مسالِحَهُمْ، فأقاموا فيها، وتتبَّع الطلب الفالَّة؛ حتى انتهوْا إلى المدائن؛ وفي ذلك يقول عَبْدة بن الطبيب السعديّ، وكان عَبْدة قد هاجَر لمهاجَرة حليلة له حتى شهد وقعة بابل؛ فلما آيسته رجع إلى البادية، فقال:
هل حَبْلُ خَولَة بَعْدَ البَيْن موصولُ ... أم أنت عنها بَعِيدُ الدارِ مشغولُ!
وللأَحِبَّة أيّامٌ تَذكَّرُها ... وللنّوى قبل يوم البين تأويل
حَلَّتْ خُوَيلةُ في حَيّ عَهِدتهُمُ ... دُونَ المَدائنِ فيها الدِّيكُ والفيلُ
يُقارِعون رؤوَس العُجْم ضاحِيَةً ... مِنْهُم فوارِسُ لا عُزلٌ ولا مِيلُ
القصيدة. وقال الفرزدق يعدّد بيوتات بكر بن وائل وذكر المثنّى وقَتْلَه الفيل:
وبَيْتُ المُثنّى قاتِلِ الفيلِ عَنْوةً ... ببابلَ إذ في فارِسٍ مُلكُ بابِل
ومات شهر براز منهزَمَ هرمز جاذويه.
واختلف أهل فارس، وبقي ما دون دِجْلة وبُرْس من السَّواد في يدي المثنَّى والمسلمين.