ثم إن عبد الرحمن بن عوف قام فقال: يا خليفة رسول الله! إنها الروم وبنو الأصفر، حدّ حديد وركن شديد، ما أرى أن تقحم عليهم إقحامًا. ولكن نبعث الخيل فنغير في قواصي أرضهم ثم نرجع إليك. فإذا فعلوا ذلك بهم مرارًا أضروا بهم وغنموا من أدنى أرضهم فقووا بذلك على عدوهم، ثم تبعث إلى أراضي أهل اليمن وأقاصي ربيعة ومضر ثم تجمعهم جميعًا إليك. فإن شئت بعد ذلك غزوتهم بنفسك وإن شئت أغزيتهم. ثم سكت وسكت الناس. قال: فقال لهم أبو بكر: ماذا ترون؟ فقال عثمان بن عفان: إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيًا تراه لعامّتهم صلاحًا فاعزم على إمضائه، فإنك غير ظنين. فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار: صدق عثمان، ما رأيت من رأي فامضه، فإنا لا نخالفك ولا نتهمك. وذكروا هذا وأشباهَه، وعليٌّ في القوم لم يتكلم. قال أبو بكر: ماذا ترى يا أبا الحسن؟ فقال: أرى أنك إن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم نُصرت عليهم إن شاء الله. فقال: بشّرك الله بخير! ومن أين علمت ذلك؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يزال هذا الدين ظاهرًا على كل من ناوأه حتى يقوم الدين وأهله ظاهرون". فقال: سبحان الله ما أحسن هذا الحديث. لقد سررتني به سرّك الله. ثم إن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس فذكر الله بما هو أهله وصلى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: أيها الناس، إن الله قد أنعم عليكم بالإسلام، وأكرمكم بالجهاد وفضلكم بهذا الدين على كل دين فتجهزوا عباد الله إلى عزو الروم بالشام، فإني مؤمّرٌ عليكم أمراء وعاقد لكم، فأطيعوا ربكم ولا تخالفوا أمراءكم لتحسُن نيتكم وشربكم وأطعمتكم. فـ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} فسكت القوم، فوالله ما أجابوا فقال عمر: يا معشر المسلمين ما لكم لا تجيبون خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد {دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} أما إنه {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا} لابتدرتموه. فقام عمرو بن سعيد فقال: يا بن الخطاب! ألنا تضرب الأمثال أمثال المنافقين؟ ! فما منعك مما عِبت علينا فيه أن تبتدئ به؟ ! فقال عمر: إنه يعلم أني أجيبه لو يدعوني، وأغزو لو يغزيني. قال عمرو بن سعيد: ولكن نحن لا نغزو لكم إن غزونا، إنما نغزو لله، فقال عمر: وفّقك الله فقد أحسنت. فقال أبو بكر لعَمرو: اجلس رحمك الله فإن عمر لم يُرد بما سمعت أذى مسلم ولا تأنيبه، إنما أراد بما سمعت أن ينبعث المتثاقلون إلى =