روايتَهم عنهم في أول ذكري أمرَ أبي بكر: أنَّهم قالوا: قدِم بوفاة أبي بكر إلى الشأم شدّاد بن أوْس بن ثابت الأنصاريّ ومَحْمِيَة بن جَزْء، ويَرْفأ، فكتموا الخبرَ الناس حتى ظفر المسلمون -وكانوا بالياقوصة يقاتلون عدوَّهم من الروم؛ وذلك في رجب- فأخبروا أبا عبيدة بوفاة أبي بكر وولايته حَرْب الشأم، وضمّ عمر إليه الأمراءَ، وعزلِ خالد بن الوليد (١). (٣: ٤٣٤).
٩١ - فحدّثنا ابنُ حميد، قال: حدَّثنا سَلَمة عن ابن إسحاق، قال: لما فرغ المسلمون من أجنَادين ساروا إلى فِحْل من أرض الأردنّ؛ وقد اجتمعت فيها رافضة الروم، والمسلمون على أمرائهم وخالد على مقدّمة الناس. فلمَّا نزلت الروم بيسان بثقوا أنهارها؛ وهي أرض سَبْخة، فكانت وحلًا، ونزلوا فِحْلًا -وبيسانُ بين فلسطين وبين الأردن- فلما غشيَها المسلمون ولم يعلموا بما صنعت الرومِ، وحلت خيولُهم، ولقوا فيها عَناءً، ثم سلَّمهم الله -وسميت بَيسان ذات الرَّدغَة لما لقي المسلمون فيها- ثم نهضوا إلى الروم وهم بفِحْل؛ فاقتتلوا فهُزمت الروم، ودخل المسلمون فِحْلًا ولحقت رافضة الروم بدمشق؛ فكانت فِحْل في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة، على ستّة أشهر من خلافة عمر. وأقام تلك الحجَّة للناس عبد الرحمن بن عوف. ثم ساروا إلى دمشق وخالد على مقدّمة الناس؛ وقد اجتمعت الروم إلى رجل منهم يقال له: باهان بدمشق -وقد كان عمر عزلَ خالدَ بن الوليد واستعمل أبا عبيدة على جميع الناس- فالتقى المسلمون والروم فيما حول دمشق، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، ثم هزم الله الرّومَ، وأصاب منهم المسلمون، ودخلت الروم دمشق؛ فغلَّقوا أبوابَها وجَثم المسلمون عليها فرابطوها حتى فُتحت دمشق، وأعطوا الجزية، وقد قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد، فاستحيا أبو عبيدة أن يقرئ خالدًا الكتاب حتى فتحت دمشق، وجرى الصُّلْح على يدي خالد، وكتب الكتاب باسمه. فلما صالحت دمشق لحِق باهان -صاحب الروم الّذي قاتل المسلمين- بهرقل. وكان فتح دمشق
(١) لقد مضى الكلام عن عزل خالدٍ عن إمرة الجيش وإسناد القيادة لأبي عبيدة ووصول الخبر إلى المسلمين وهم في الياقوصة، وسنتحدث مرة أخرى وبالتفصيل عن هذا العزل ودواعيه وسنرد على شبهات المستشرقين وسنحاول الجمع بين الروايات التاريخية المتعارضة في هذا العزل إن شاء الله تعالى بعد قليل.