الحبيب بن عمرو، ولبدة بن عامر بن خَثْعمة، وبِشْرَ بن عصْمة، وعُمارة بن مُخش قائد الناس؛ ومع كلّ رجل خمسة قوّاد؛ وكانت الرؤساء تكون من الصحابة حتى لا يجدوا مَن يحتمل ذلك منهم، فساروا من الصُّفَّر حتَّى نزلوا قريبًا من فِحْل، فلمَّا رأت الرُّوم: أنّ الجنود تريدهم، بثقُوا المياه حوْلَ فِحْل، فأردِغتْ الأرض، ثم وحلَت، واغتمّ المسلمون من ذلك، فحبسوا عن المسلمين بها ثمانين ألف فارس. وكان أوّلَ محصور بالشأم أهل فِحْل، ثم أهل دمشق. وبعث أبو عبيدة ذا الكَلاع حتَّى كان بين دمشق وحِمْص ردءًا. وبعث عَلْقمة بن حكيم ومَسْروقًا فكانا بين دمشق وفلَسطين، والأمير يزيد. ففصَل، وفصَل بأبي عبيدة من المرْج؛ وقدّم خالد بن الوليد، وعلى مجنّبَتيه عمرو وأبو عبيدة وعلى الخيل عياض، وعلى الرَّجْل شُرَحبيل، فقدِموا على دمشق، وعليهم نسطاس بن نُسْطُورس؛ فحصَروا أهلَ دمشق، ونزلوا حواليها، فكان أبو عبيدة على ناحية، وعمرو على ناحية، ويزيد على ناحية، وهِرَقل يومئذ بحِمْص، ومدينة حِمْص بينه وبينهم. فحاصروا أهلَ دمشق نحوًا من سبعين ليلة حِصارًا شديدًا بالزُّحوف والتَّرامِي والمجانيق؛ وهم معتصمون بالمدينة يرجون الغِياث، وهِرَقل منهم قريب وقد استمدّوه. وذو الكَلاع بين المسلمين وبين حِمْص على رأس ليلة من دمشق؛ كأنه يريد حِمْص، وجاءت خيولُ هِرقل مغيثةً لأهل دمشق، فأشجتْها الخيول الَّتي مع ذي الكَلاع، وشغلتها عن النَّاس، فأرَزوا، ونزَلوا بإزائه، وأهلُ دمشق على حالهم.
فلمَّا أيقن أهلُ دمشق: أن الأمداد لا تصلُ إليهم فشلوا ووَهنوا وأبلسوا وازداد المسلمون طمعًا فيهم؛ وقد كانوا يروْن أنَّها كالغارات قبل ذلك، إذا هجم البرد قفَل الناس، فسقط النَّجم والقوم مقيمون، فعند ذلك انقطع رجاؤهم، وندِموا على دخول دمشق، ووُلد للبِطريق الَّذي دخل على أهل دمشق مولودٌ؛ فصنع عليه، فأكل القوم وشربوا، وغفلوا عن مواقفهم، ولا يشعر بذلك أحدٌ من المسلمين إلا ما كان من خالد، فإنه كان لا ينام ولا يُنيم، ولا يخفى عليه من أمورهم شيء؛ عيونُه ذاكية وهو معنيٌّ بما يليه، قد اتَّخذ حبالًا كهيئة السلاليم وأوْهاقًا، فلمَّا أمسى من ذلك اليوم نَهَد ومَنْ معه من جنده الذين قدم بهم عليهم، وتقدّمهم هو والقعقاع بن عمرو، ومذعور بن عديّ، وأمثاله من