أصحابه في أول يومه، وقالوا: إذا سمعتم تكبيرَنا على السّور فارقَوْا إلينا، وانْهدوا للباب. فلما انتهى إلى الباب الذي يَليه هو وأصحابه المتقدّمون رَمَوْا بالحبال الشُّرَف وعلى ظهورهم القِرَب التي قطعوا بها خندقهم. فلمَّا ثبت لهم وَهَقان تسلَّق فيهما القعقاع ومذعور، ثم لم يدعا أحبولةً إلّا أثبتاها -والأوْهاق بالشُرَف- وكان المكان الذي اقتحموا منه أحصن مكان يحيط بدمشق، أكثرَه ماءً، وأشدّه مدخلًا، وتوافوا لذلك، فلم يبقَ ممّن دخل معه أحدٌ إلا رقى أو دنا من الباب؛ حتى إذا استَووْا على السُّور حَدَر عامَّة أصحابه، وانحدَر معهم؛ وخلَّف مَنْ يحمي ذلك المكان لمن يرتقي، وأمرهم بالتَّكبير، فكبَّر الذين على رأس السور، فنهَد المسلمون إلى الباب، ومال إلى الحِبال بشَرٌ كثير، فوثَبُوا فيها، وانتهى خالد إلى أوّل مَن يليه فأنامهم، وانحدر إلِي الباب، فقتل البوّابين، وثار أهلُ المدينة، وفرخ سائر الناس؛ فأخذوا مواقفهم، ولا يدرون ما الشأن! وتشاغل أهلُ كلّ ناحية بما يليهم، وقطع خالد بن الوليد ومن معه أغلاق الباب بالسيوف، وفتحوا للمسلمين، فأقبلوا عليهم مِن داخل، حتَّى ما بقيَ ممَّا يلي باب خالد مقاتل إلا أنيم. ولما شدّ خالد على من يليه؛ وبلغ منهم الذي أراد عَنْوة أرَزَ من أفلت إلى أهل الأبواب التي تَلِي غيرَه؛ وقد كان المسلمون دَعَوْهم إلى المشاطرة فأبوا وأبعدوا، فلم يفجأهم إلّا وهم يَبُوحون لهم بالصُّلح، فأجابوهم وقبلوا منهم، وفتحوا لهم الأبواب، وقالوا: ادخلوا وامنعونَا من أهلِ ذلك الباب. فدخل أهلُ كلّ باب بصلح ممَّا يليهم، ودخل خالد مما يليه عَنْوة، فالتقى خالد والقوّاد في وسطها؛ هذا استعراضًا وانتهابًا، وهذا صلحًا وتسكينًا؛ فأجْرَوا ناحيةَ خالد مُجْرَى الصّلح، فصار صلْحًا، وكان صلح دمشق على المقاسمة، الدينار والعقار، ودينارٌ عن كل رأس، فاقتسموا الأسلاب؛ فكان أصحاب خالد فيها كأصحاب سائر القوّاد، وجَرَى على الديار ومَنْ بقي في الصّلح جَريب من كلّ جَريب أرض؛ ووَقف ما كان للملوك ومَن صوّب معهم فَيئًا، وقسموا لذي الكَلاع ومَن معه، ولأبي الأعور ومَن معه، ولبشير ومَن معه، وبعثوا بالبِشارة إلى عمر، وقدم على أبي عبيدة كتاب عمر؛ بأن اصرِف جند العراق إلى العراق، وأمرهم بالحثّ إلى سعد بن مالك، فأمَّر على جُند العراق هاشم بن عُتْبة، وعلى مقدّمته القعقاع بن عمرو، وعلى مجنَّبَتيه عمرو بن مالك الزُّهري ورِبْعيّ بن عامر، وضربوا بعد دمشق نحو سعد، فخرج