أكرموه بشيء منه، وكان ذلك مذكورًا من فِعْلهم في النَّاس، وأنّ ثَمرهم هذا حِمىً، فقال له رستم وبوران: اشخص إلى قطيعتك فاحمها من عدوّك وكن رجلًا، فلمَّا انهزم الناس يوم النَّمارق، ووجَّهت الفالَّة نحو نَرْسي -ونَرْسي في عسكره- نادى أبو عبيد بالرّحيل، وقال للمجرّدة: اتبعوهم حتى تُدخِلوهم عسكر نَرْسِي، أو تبيدوهم فيما بين النَّمارق إلى بارق إلى دُرْنا. وقال عاصم بن عمرو في ذلك:
بأيدِي رِجالٍ هاجروا نحو ربِّهمْ ... يجوسونهم ما بين دُرْنا وبارِقِ
قتلناهُم ما بين مَرْجٍ مُسَلّح ... وبين الهَوافِي من طريق البَذارِقِ
ومضى أبو عُبَيد حين ارتحلَ من النَّمارق حتى ينزل على نَرْسي بكَسْكر -ونَرْسِي يومئذ بأسفل كَسْكر- والمثنَّى في تعبيته الّتي قاتل فيها جابان، ونَرْسي على مجنَّبتيه ابنا خاله -وهما ابنا خال كسرى بِندَوَيه وتِيرَويه ابنا بسْطام- وأهل بارُوسْما ونهر جَوْبَر والزّوابي معه إلى جنده، وقد أتى الخبر بُوران ورستمَ بهزيمة جابان، فبعثوا إلى الجالِنُوس، وبلغ ذلك نَرْسِي وأهل كَسْكَر وبارُوسْما ونهر جَوْبَر والزّاب، فرجوا أن يلحق قبل الوقعة، وعاجَلَهم أبو عُبيد فالتقوْا أسفل من كَسْكر بمكان يدعى السَّقاطية فاقتتلوا في صحارى مُلْس قتالًا شديدًا، ثمّ إنّ الله هزم فارس، وهرب نَرْسِي، وغُلِب على عسكره وأرضه، وأخرب أبو عبيد ما كان حول معسكرهم من كسكر، وجمع الغنائم، فرأى من الأطعمة شيئًا عظيمًا، فبعث فيمَن يليه من العرب فانتفلوا ما شاؤوا، وأخذت خزائن نَرْسِي؛ فلم يكونوا بشيء ممَّا خزن أفرح منهم بالنّرسِيان؛ لأنّه كان يحميه ويمالئه عليه ملوكهم؛ فاقتسموه فجعلوا يُطعمونه الفلاحين؛ وبعثوا بخُمسه إلى عمر، وكتبوا إليه: إنّ الله أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة يحمونها، وأحببنا أن تروها، ولتذكروا إنعام الله وإفضاله.
وأقام أبو عبيد وسرّح المثنَّى إلى بارُوسما، وبث والقًا إلى الزَّوابي وعاصِمًا إلى نهر جَوْبر؛ فهزموا مَن كان تجمّع وأخربوا وسبوْا، وكان ممَّا أخرب المثنَّى وسَبى أهل زَنْدَوَرْد وبسوسيا، وكان أبو زَعْبل من سَبْي زَنْدوَرْد؛ وهرب ذلك الجند إلى الجالِنوس، فكان ممَّن أسر عاصم أهل بيتيق من نهر جوبر، وممَّن