وقال رِبْعِيّ بن عامر بن خالد: كنت مع أبي يوم البُويب - قال: وسُمِّيَ البُويب يوم الأعشار - أحصي مئة رجل، قتل كلّ رجل منهم عشرة في المعركة يومئذ، وكان عُرْوة بن زيد الخيل من أصحاب التّسعة، وغالِب في بني كنانة من أصحاب التسعة، وعرفجة في الأزْد من أصحاب التسعة.
وقتِل المشركون فيما بين السَّكون اليوم إلى شاطى الفرات، ضفَّة البويب الشرقيّة؛ وذلك: أنّ المثنّى بادرهم عند الهزيمة بالجَسْرَ، فأخذه عليهم، فأخَذوا يَمْنة ويَسْرة، وتبِعهم المسلمون إلى الليل، ومن الغد إلى اللَّيل، وندم المثنَّى على أخذه بالجسر، وقال: لقد عجزتُ عجزة وَقَى الله شرّها بمسابقتي إيّاهم إلى الجسر وقَطْعِه؛ حتى أحرجتُهم؛ فإني غير عائد؛ فلا تعودوا ولا تقتدوا بي أيّها الناس! فإنها كانت منّي زلَّة لا ينبغي إحراج أحد إلّا مَن لا يقوى على امتناع، ومات أناس من الجرحى من أعلام المسلمين، منهم خالد بن هلال ومسعود بن حارثة، فصلَّى عليهم المثنَّى، وقدّمهم على الأسنان والقرآن؛ وقال: والله إنَّه ليُهوِّن عليّ وجْدي أن شهِدوا البُويب، أقدَموا وصبَرُوا، ولم يجزَعوا ولم ينكِلوا، وإن كان في الشهادة كفَّارة لِتجوُّز الذنوب (١). (٣: ٤٦٦/ ٤٦٧ / ٤٦٨).
١١٥ - كتب إليّ السريّ عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد، قالوا: وقد كان المثنَّى وعصمة وجرير أصابُوا في أيَّام البُويب على الظّهر نُزْل مِهْران غنمًا ودقيقًا وبقرًا، فبعثوا بها إلى عِيالات مَن قدم من المدينة وقد خلَّفوهنّ بالقوادس، وإلى عِيالات أهل الأيَّام قبلَهم، وهم بالحيرة. وكان دليل الذين ذهبوا بنصيب العِيالات الَّذين بالقوادس عَمْرو بن عبد المسيح بن بُقَيلة، فلمَّا رُفِعوا للنسوة فرأين الخيلَ، تصَايحن وحسبنها غارةً، فقمْنَ دون الصبيان بالحجارة والعُمُد، فقال عمرو: هكذا ينبغي لنساء هذا الجيش! وبشّروهنّ بالفتح، وقالوا: هذا أوّله، وعلى الخيل التي أتتهم بالنُّزل النُّسَير؛ وأقام في خيله حاميةً لهم، ورجع عمرو بن عبد المسيح فبات بالحيرة، وقال المثنَّى يومئذ: من يتبع الناس حتَّى ينتهي إلى السِّيب؟
فقام جرير بن عبد الله في قومه، فقال: يا معشر بَجِيلة! إنَّكم وجميع مَن