الهزيمة، فتضعضع مَن معه، فرأى ذلك وهو دَنِف - قال: يا معشر بكر بن وائل! ارفعوا رايَتكم، رفعكم الله! لا يهولنكم مَصْرعي، وقاتل أنس بن هلال النمَرِيّ يومئذ حتى ارتُثّ، ارتثَّه المثنَّى، وضمَّه وضمّ مسعودًا إليه. وقاتل قُرْط بن جَمَّاع العبديّ يومئذ حتى دقَّ قنًا، وقطع أسيافًا، وقتِل شَهْربراز من دهاقين فارس وصاحب مجرّدة مِهران.
قال: ولما فرغوا؛ جلس المثنَّى للناس من بعد الفراغ يحدّثهم ويحدّثونه، وكلَّما جاء رجل فتحذث قال له: أخبرْني عنك؛ فقال له قُرْط بن جمّاح: قتلتُ رجلًا فوجدتُ منه رائحة المسك، فقلتُ: مِهران، ورجوت أن يكون إيّاه، فإذا هو صاحب الخيل شَهْربراز، فوالله ما رأيتهُ إذ لم يكن مِهران شيئًا.
فقال المثنَّى: قد قاتلت العرب والعجم في الجاهليَّة والإسلام؛ والله لمئة من العجم في الجاهليَّة كانوا أشدّ عليّ من ألف من العرب، ولمئة اليومَ من العرب أشدّ عليّ من ألف من العجم؛ إن الله أذهب مصدوقتَهم، ووهَّن كيدَهم؛ فلا يروعنَّكم زُهّاء تروْنه، ولا سَواد ولا قِسِيٌّ فُجٌّ، ولا نِبال طوال، فإنَّهم إذا أعجِلوا عنها أو فقدوها، كالبهائم أينما وجَّهتموها اتَّجهت.
وقال رِبْعيّ وهو يحدّث المثنَّى: لمّا رأيتُ ركود الحرب واحتدامها، قلتُ: تترّسوا بالمجانّ، فإنهم شادّون عليكم؛ فاصبروا لشدّتَين وأنا زعيم لكم بالظفر في الثالثة؛ فأجابوني والله! فوفَّى اللهُ كفالتي.
وقال ابن ذي السَّهمين محدّثَّا: قلت لأصحابي: إنّي سمعت الأميرَ يقرأ ويذكر في قراءته الرُّعْب؛ فما ذكره إلا لفضل عنده؛ اقتدوا برايتكم، وليَحْمِ راجلَكم خيلُكم، ثم احملوا، فما لقول الله من خُلْف؛ فأنجز الله لهم وعده، وكان كما رجوت.
وقال عَرْفجة محدّثًا: حُزْنا كتيبةً منهم إلى الفرات، ورجوت أن يكون الله تعالى قد أذِن في غَرَقِهم، وسلَّى عنَّا بها مصيبة الجسر، فلمَّا دخلوا في حدّ الإحراج، كرّوا علينا، فقاتلناهم قتالًا شديدًا حتى قال بعض قومي: لو أخَّرتَ رايَتك! فقلت: عليّ إقدامُها، وحملت بها على حاميتهم فقتلتُه، فولّوْا نحو الفُرات، فما بلغه منهم أحد فيه الرّوح.