مَلِيًّا، فرأى المثنَّى خللًا في بعض صُفوفه، فأرسل إليهم رجلًا، وقال: إنّ الأمير يقرأ عليكم السّلام، ويقول: لا تفضحوا المسلمين اليوم، فقالوا: نعم! واعتدلوا، وجعلوا قبل ذلك يروْنه وهو يمدّ لحيته لما يرى منهم، فاعتنوْا بأمر لم يجئ به أحد من المسلمين يومئذ فرمقوه، فرأوه يضحك فَرَحًا والقوم بنو عِجْل. فلمَّا طال القتالُ واشتدّ، عمَد المثنَّى إلى أنس بن هلال، فقال: يا أنس! إنَّك امرؤ عربيّ، وإن لم تكن على ديننا؛ فإذا رأيتَني قد حملت على مِهران فاحمِل معي، وقال لابن مِرْدَى الفِهْر مثلَ ذلك فأجابه، فحمل المثنَّى على مِهران؛ فأزاله حتى دخل في ميمنته، ثم خالطوهم واجتمع القلبان وارتفع الغبار والمجنَّباث تقتَتِل، لا يستطيعون أن يفرغوا لنصر أميرهم، لا المشركون ولا المسلمون، وارتُثَّ مسعود يومئذ وقُوّاد من قُؤاد المسلمين؛ وقد كان قال لهم: إن رأيتمونا أصِبنا؛ فلا تَدَعوا ما أنتم فيه؛ فإنّ الجيش ينكشف ثم ينصرف؛ الزموا مصافَّكم، واغْنُوا غَناء من يليكم، وأوجِع قلبَ المسلمين في قلْب المشركين، وقتَلَ غلام من التغلبيّين نصرانيّ مِهران واستوى على فرسه، فجعل المثنَّى سلبه لصاحب خَيله؛ وكذلك إذا كان المشرك في خيل رجل فقتل وسلب فهو للذي هو أمير على مَن قتل؛ وكان له قائدان: أحدهما جَرير والآخر ابن الهوبر؛ فاقتسما سلاحَه (١). (٣: ٤٦٥/ ٤٦٦).
١١٤ - كتب إليّ السريّ عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وقف المثنَّى عند ارتفاع الغُبار؛ حتى أسفر الغبار، وقد فنِيَ قلب المشركين، والمجنَّبات قد هز بعضها بعضا، فلمَّا رأوه وقد أزال القلب، وأفنى أهلَه، قويت المجنَّبات - مجنَبات المسلمين - على المشركين وجعلوا يردّون الأعاجم على أدبارهم، وجعل المثنَّى والمسلمون في القلْب يدعُون لهم بالنَّصر، ويرسل عليهم مَنْ يذمُرهم، ويقول: إنّ المثنَّى يقول: عاداتكم في أمثالهم؛ انصروا الله ينصركم؛ حتى هزموا القوم، فسابقهم المثنَّى إلى الجسر فسبقهم وأخذ الأعاجم، فافترقوا بشاطئ الفرات مصعِّدين ومصوّبين، واعتورتهم خيول المسلمين حتى قتلُوهم، ثمّ جعلوهم جُثثًا؛ فما كانت بين العرب والعجم وقعة كانت أبقى رِمَّةً منها. ولما ارتُثّ مسعود بن حارثة يومئذ - وكان صُرع قبل