أهل فارس أخذوا مصافَّهم، وجلس رستم على سريره وضُرب عليه طيّارة، وعبَّى في القلب ثمانية عشر فيلًا، عليهَا الصناديق والرّجال، وفي المجنَّبتين ثمانية وسبعة، وعليها الصناديق والرّجال، وأقام الجالِنوس بينه وبين ميمنته والبِيرزان بينه وبين ميسرته، وبقيت القنطرة بين خيلين من خيول المسلمين وخيول المشركين، وكان يزدجرد وضع رجلًا على باب إيوانه؛ إذ سرّح رستم، وأمرَه بلزومه وإخباره وآخر حيث يسمعه من الدار، وآخر خارج الدار، وكذلك على كل دعوة رجلًا؛ فلما نزل رستم، قال الذي بساباط: قد نزل، فقال الآخر ... حتى قاله الذي على باب الإيوان؛ وجعل بين كلّ مرحلتَين على كلّ دعوة رجلًا؛ فكلّما نزل وارتحل أو حدث أمرٌ قاله؛ فقاله الذي يليه، حتى يقوله الذي يلي باب الإيوان؛ فنظّم ما بين العتيق والمدائن رجالًا، وترك البُرُد، وكان ذلك هو الشأن.
وأخذ المسلمون مصافَّهم، وجُعِل زُهرة وعاصم بين عبد الله وشُرَحبيل، ووكّل صاحب الطلائع بالطِّراد، وخلَط بين الناس في القلب والمجنَّبات، ونادى مناديه: ألا إنّ الحسد لا يحلّ إلّا على الجهاد في أمر الله يا أيّها الناس؛ فتحاسدوا وتغَايروا على الجِهاد، وكان سعد يومئذ لا يستطيعُ أن يركبَ ولا يجلس، به حُبون، فإنَّما هو على وجهه في صدره وسادة، هو مُكِبّ عليها، مُشرِف على الناس من القَصْر، يرمي بالرّقاع فيها أمرُه ونهيُه، إلى خالد بن عُرْفُطة، وهو أسفل منه؛ وكان الصفّ إلى جنب القَصْر، وكان خالد كالخليفة لسعد لو لم يكن سعد شاهدًا مُشرِفًا (١). (٣: ٥٣٠/ ٥٣١).
١٢٦ - كتب إليّ السريُّ، قال: حدَّثنا شعيب عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: وأرسل سعدٌ الذين انتهى إليهم رأيُ الناس، والذين انتهت إليهم نجدتُهم وأصناف الفَضْل منهم إلى الناس، فكان منهم من ذوي الرأي النَّفرُ الذي أتوا رستم المغيرةُ، وحُذَيفة، وعاصم؛ وأصحابهم؛ ومن أهل النجدة طُلَيْحة، وقَيس الأسديّ، وغالب، وعمرو بن مَعْديكرب وأمثالهم، ومن الشعراء الشَّمَّاخ والحُطَيئَة، وأوس بن مَغْواء، وعبْدة بن الطبيب؛ ومن
(١) إسناده ضعيف ولبعضه ما يقويه كما سنذكر بعد قليل.