جيشٌ فيهم مثل هذا، وسكنوا إليه، فخرج إليه ذو الحاجب، فقال له القعقاع: مَن أنت؟ قال: أنا بهْمَن جاذَوَيه، فنادى: يا لِثارات أبي عبيد وسَلِيط وأصحاب يوم الجِسْر! فاجتلدا، فقتله القعقاع، وجعلت خيله تَرِد قِطَعًا، وما زالت ترِدُ إلى الليل وتنشّط الناس؛ وكأن لم يكن بالأمس مصيبة؛ وكأنَّما استقبلوا قتالهم بقتل الحاجبيّ وللحاق القِطَع، وانكسرت الأعاجم لذلك، ونادى القعقاع أيضًا: مَن يبارز؟ فخرج إليه رجلان: أحدهما البِيرزان والآخر البِندوان؛ فانضمّ إلى القعقاع الحارث بن ظبَيْان بن الحارث أخو بني تَيم اللّات، فبارز القعقاع البِيرزان، فضر به فأذرى رأسَه، وبارز ابن ظَبْيان البِندوان، فضر به فأذرى رأسَه، وتورَّدهم فرسان المسلمين، وجعل القعقاع يقول: يا معاشِرَ المسلمين! باشروهم بالسيوف، فإنَّما يُحْصَد الناس بها! فتواصَى النَّاس، وتشايعوا إليهم، فاجتلدوا بها حتَّى المساء، فلم ير أهل فارس في هذا اليوم شيئًا ممَّا يعجبهم، وأكثر المسلمون فيهم القتْل، ولم يقاتلوا في هذا اليوم على فِيل، كانت توابيتها تكسَّرت بالأمس، فاستأنفوا علاجها حين أصبحوا فلم ترتفع حتى كان الغد (١). (٣: ٥٤٢/ ٥٤٣ / ٥٤٤).
١٣٠ - كتب إليَّ السريُّ عن شعيب، عن سيف، عن القاسم بن سُليم بن عبد الرحمن السعديّ، عن أبيه، قال: كان يكون أوّل القتال في كلّ أيامها المطاردة، فلمَّا قدم القعقاع قال: يا أيّها الناس! اصنعوا كما أصنع، ونادَى: مَنْ يبارزُ؟ فبرز له ذو الحاجب فقتلَه، ثم البِيرزان فقتله، ثم خرج الناس من كلِّ ناحية، وبدأ الحرب والطِّعان، وحمل بنو عمّ القعقاع يومئذ، عشرة عشرة من الرجَّالة، على إبل قد ألبسوها فهي مجلَّلة مبرقعة، وأطافت بهم خيولُهم، تحميهم، وأمرهم أن يحملوا على خيلهم بين الصّفين يتشبَّهون بالفيَلة، ففعلوا بهم يوم أغواث كما فعلت فارس يوم أرماث، فجعلت تلك الإبل لا تصمد لقليل ولا لكثير إلَّا نفرت بهم خيلهم، وركبتهم خيول المسلمين، فلمَّا رأى ذلك الناس استنُّوا بهم، فلقيَ فارس من الإبل يوم أغواث أعظَم ممَّا لقي المسلمون من الفيَلة يوم أرماث.