للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ذكر لي بعض أصحابي" و"ذكر لي جماعة من أصحابنا" و"ذكر من رآه وشاهده" و"حدثني جماعة من أهل كذا" ولعل الباعث على زيادة التساهل خوفه على محدِّثيه الأحياء من غضب الآخرين الذين تمسُّهم الرواية، ويقل السندُ أكثرَ فأكثرَ في الأجزاء الأخيرة حتى ليندر أحيانًا في صفحات متتالية.

وإن استخدام الإِسناد والروايات قد شاع في مختلف التصانيف والعلوم، وصار هو الصفة الغالبة على منهج تدوين العلوم الإِسلامية الأخرى، واستمر حتى نهاية القرن الخامس الهجري تقريبًا، ثم قلَّ الاعتناء به، وحلَّ محلَّه تدريجيًا النقل من الكتب والمؤلَّفات، وبقي شيء منه عند علماء الحديث للتبرّك والمحافظة على قدسية الحديث وخاصيَّة الأمة الإِسلامية بالإِسناد ومصطلح الحديث.

وكان السبب في استعمال طريقة الإِسناد والروايات في التاريخ أن المؤرِّخين الأوائل جمعوا بين صفتي المحدث والمؤرخ، وأن الدراسات التاريخية ظهرت في أحضان علم الحديث، وما فيه من سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشمائله ومغازيه وهديه، كما لجأ المؤرخون إلى طريقة الرواية لاختيار الروايات والسلاسل التي تتفق مع ميولهم ورغباتهم وعقائدهم.

وطريقة الإِسناد تقابل في زماننا الالتزام بمنهج البحث العلمي في ذكر المصادر والمراجع للمادة المعروضة في مختلف العلوم، وفي بيان الأجزاء المركّب منها الدواء والجهاز وغير ذلك.

٣ - الاعتماد على المصادر: كان جلُّ اعتماد الطبري في الأخبار التاريخية على المصادر التاريخية التي صُنفت قبله، وكان الطبري يذكر غالبًا الإِسناد إلى المصادر عن طريق الرواة الذين يذكر أسماءهم، دون كتبهم، ومعظم هؤلاء الرواة صنفوا المؤلفات في الموضوعات التي تطرَّق إليها الطبري، ويأخذ من المؤلف نفسه مباشرة، أو بالواسطة عمن نقل عنهم.

وكان الطبري -رحمه الله تعالى- في اقتباس الروايات التاريخية يخالف منهج المحدثين الذين يَحْرصون على نقل كل حديث بمفرده، ثم ضمَّه إلى حديث آخر ولو اختلف الموضوع، أما في التاريخ فكان الطبري وعلماء التاريخ يجمعون بين

<<  <  ج: ص:  >  >>