اتفق أئمة التأريخ المتقدمون والمتأخرون على أن فتح الجزيرة كان بعد فتح معظم العراق وفتح معظم أرض الشام، والجزيرة هي المنطقة المحصورة بين الفرات ودجلة وشطره في العراق والآخر في الشام، ولا خلاف بين المؤرخين: أن الصحابي الجليل عياض بن غنم الفهري هو الذي قاد الجيوش المجاهدة لفتح هذه البلاد، وإن كان فتحها أسهل بكثير من فتح أرض السواد ومدن الشام وذلك لأن أهلها أيقنوا أنهم بين فكي كماشة؛ ولذلك قال ابن عبد البر القرطبي في ترجمة عياض بن غنم: عياض بن غنم لا أعلم خلافًا: أنه افتتح عامة بلادَ الجزيرة والرقة وصالحه وجوه أهلها، ونقل عن البخاري قوله: وهو عامل عمر بالشام (الاستيعاب ٣/ ٣٠٤ / ت ٢٠٣٧). ولكن الخلاف بين المؤرخين في مسألة فتحها عنوة أو صلحًا، ويبدو من خلال الروايات التاريخية الضعيفة وغيرها أن أغلب هذه الأرض فتحت صلحًا ولقد ذكرنا معظم روايات الطبري في فتح الجزيرة في قسم الضعيف، وذكرنا معها روايات أخرى ضعيفة السند كذلك، وسنذكر هنا بعض الروايات الضعيفة السند وأخرى صحيحة (ولكنها قليلة) وهي تتقوى ببعضها فهي مراسيل متعددة المخارج نأخذ بها في التاريخ فقط وبالشروط التي ذكرنا آنفًا. وتصلح شواهد لهذه القصة إن شاء الله تعالى: ١ - أخرج خليفة: حدثنا وكيع بن الجراح قال أخبرنا ثور عن عبد الرحمن بن عائذ: أن خالد بن الوليد دخل حمامًا بآمد، وذكر فيه حديثًا (تأريخ خليفة / ١٣٩). قلنا: وهذا إسناد صحيح، والخبر يدل على مشاركة خالد في فتوح الجزيرة منها (آمد). ٢ - وأخرج البلاذري قال: حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن السفاح الشيباني: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يأخذ الجزية من نصارى بني تغلب فانطلقوا هاربين ولحقت طائفة منهم ببعدٍ من الأرض. فقال النعمان بن زرعة أو زرعة بن النعمان: أنشدك الله في بني تغلب فإنهم قوم من العرب نائفون من المجزية، وهم قوم شديدة نكايتهم فلا يُعَنْ عدوك عليك بهم، فأرسل عمر في طلبهم فردّهم وأضعف عليهم الصدقة (فتوح البلدان / ٢٥٠). قلنا: ورجال هذا الإسناد ثقات غير السفاح الشيباني فهو مقبول، والإسناد مرسل. ٣ - وأخرج البلاذري قال: حدثني عمرو الناقد قال: حدثني أبو معاوية عن الشيباني عن السفاح عن داود بن كردوس قال: صالحَ عمر بن الخطاب بني تغلب بعدما قطعوا الفرات وأرادوا اللحاق بأرض الروم على أن لا يصبغوا صبيًّا ولا يكرهون على دينهم وعلى أن عليهم =