للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنّي أريد أن أستعملَك؛ قال: أمّا جابيًا فلا؛ ولكن غازيًا؛ قال: فأنت غاز. فوجهه إلى أصبَهان، وكتب إلى أهل الكوفة أن يُمِدّوه، فأتاها وبينه وبينهم النهر، فأرسل إليهم المغيرة بن شعبة، فأتاهم؛ فقيل لمَلِكهم وكان يقال له ذو الحاجبين: إن رسولَ العرب على الباب، فشاور أصحابه، فقال: ما ترون؟ أقعد له في بَهْجة الملك؛ فقالوا: نعم، فقعد على سريره، ووضع التّاج على رأسه؛ وقعد أبناء الملوك نحو السمّاطين عليهم القِرَطة وأسورة الذهب وثياب الديباج. ثم أذن له فدخل ومعه رمحه وتُرْسه، فجعل يطعن برمحه بُسُطهم ليتطيّروا، وقد أخذ بضُبعيه رجلان، فقام بين يديه، فكلمه ملكُهم، فقال: إنكم يا معشرَ العرب أصابكم جوع شديد فخرجتم؛ فإن شئتم أمِرْناكم ورجعتم إلى بلادكم. فتكلّم المغيرة؛ فحمِد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إنا معاشر العرب؛ كنا نأكل الجيفَ والمَيتة، ويطؤنا الناس ولا نطؤهم؛ وإنّ الله عزّ وجلّ ابتعث منا نبيًّا، أوسطنا حسبًا، وأصدقنا حديثًا -فذكر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بما هو أهلُه- وإنه وعدنا أشياء فوجدناها كما قال؛ وإنه وعدنا أنا سنظهر عليكم، ونغلب على ما هاهنا. وإنّي أرى عليكم بِزّة وهيئة ما أرى مَن خلْفي يذهبون حتى يصيبوها.

قال: ثمّ في نفسي: لو جمعت جراميزِي، فوثبت وثبة، فقعدت مع العِلْج على سريره لعلّه يتطيّر! قال: فوجدت غفلة؛ فوثبت؛ فإذا أنا معه على سريره. قال: فأخذوه يتوجّؤونه ويطؤونه بأرجلهم. قال: قلت: هكذا تفعلون بالرسل! فإنا لا نفعل هكذا، ولا نفعل برسلكم هذا. فقال الملك: إن شئتم قطعتم إلينا، وإن شئتم قطعنا إليكم. قال: فقلت: بل نقطع إليكم. قال: فقطعنا إليهم فتسلسلوا كلّ عشرَة في سلسلة، وكلّ خمسة، وكلّ ثلاثة. قال: فصاففناهم، فرشقونا حتى أسرعُوا فينا؛ فقال المغيرة للنعمان: يرحمك الله! إنه قد أسرع في الناس فاحمل، فقال: والله إنك لذو مناقب؛ لقد شهدتُ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - القتال؛ فكان إذا لم يقاتِل أوّل النهار أخّر القتال حتى تزول الشمس، وتهبّ الرياح، وينزل النصر.

قال: ثمّ قال: إني هازّ لوائي ثلاث مرات؛ فأما الهَزّة الأولى فقضى رجل حاجته وتوضّأ، وأما الثانية فنظر رجل في سلاحه وفي شِسْمعه فأصلحه، وأما الثالثة فاحملوا، ولا يلوينّ أحدٌ على أحد؛ وإن قتِل النعمان فلا يَلْو عليه أحد؛

<<  <  ج: ص:  >  >>