٥ - وأما قول سيدنا عثمان في رواية سيف عند الطبري (وقالوا: إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه، وإنما نفلته خمس ما أفاء الله عليه من الخمس فكان مئة ألف، وقد أنفذ مثل ذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم وليس ذاك لهم أكذاك؟ قالوا: نعم) وهذا يعني أن رواية سيف تؤكد أن سيدنا عثمان قد أعطى لابن أبي سرح خمس الخمس وهو ما فعله أبو بكر وعمر ولم ينكر عليهما أحد، أي: أن فعلته رضي الله عنه صواب وأقرّ خصومه بذلك ثم تراجع عن هذا الصواب إرضاء للأمة ودرءًا للفتنة وسدًا لبابها. وأما القاضي أبو بكر بن العربي فقد قال في ردّ هذه الشبهة: وأما عطاؤه خمس إفريقية لواحد فلم يصح. فقال الخطيب في الحاشية: والذي صح هو إعطاؤه خمس الخمس لعبد الله بن أبي سرح جزاء جهاده المشكور (العواصم / ١٠٠). قلنا: ومرّ بنا: أن عمر رضي الله عظ قد زاد فيما قسمه لجرير بن عبد الله حين وجهه وقومه إلى العراق لنجدة جيش المثنى بن حارثة بعد أن انكسر المسلمون في معركة الجسر وقتل أبو عبيد رضي الله عنه وأرضاه. ٦ - وأما اعتراض خصومه عليه كما في رواية سيف من أنه زاد في الحمى فقد تبين بما لا يخفى أن هذا الحمى كان لأموال الصدقة التي كثرت في نهاية عهد عمر وخلافة سيدنا عثمان رضي الله عنهم أجمعين. قلنا: ومسألة الحمى لإبل الزكاة أو الموقوفة للجهاد في سبيل الله ومصالح المسلمين فلا ضير كما هو معلوم عند الفقهاء استنادًا إلى ما أخرجه البخاري وغيره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا حمى إلا لله ورسوله" كتاب المساقاة (ك ٤٢ ب ١١). وفي رواية أحمد في مسنده (ح ٥٦٥٥) عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع للخيل وفيه قال حماد بن خالد وهو من رواة الحديث: يا أبا عبد الرحمن! خيله؟ قال: خيل المسلمين. ومعلوم أن هذا الحمى اتسع في عهد سيدنا عمر حتى وصل الربذة ولم ينكر عليه أحد، كيف وهذا الحمى في خدمة الجهاد والمصلحة العامة للمسلمين ودولتهم والله أعلم. وسنأتي فيما بعد على ذكر حديث صحيح أخرجه ثلاثة من أئمة التاريخ والحديث: (الطبري ٤/ ١٠٥٧)، و (خليفة بن خياط في تأريخه / ١٩٦) و (ابن شبة في تأريخ المدينة المنورة ٦/ ٣ / ٣٥١) وفيه من الحوار الذي دار بين عثمان رضي الله عنه والخارجين عليه يبيّن فيه لهم بعض الحقائق ومنها قوله رضي الله عنه: (فأما الحمى فإن عمر حماه قبلي لإبل الصدقة فلما =