ولقد ذكرنا مرارًا في أماكن أخرى: أن سيدنا عليًّا رضي الله عنه اتبع كل وسيلة لمنع حدوث القتال بين الصفين، وكذلك السيدة عائشة عندما أرسلت قاضي البصرة ودفعت إليه بمصحف فوقف بين الصفين ليوقف القتال ولكن جاء أجله فرحمه الله. ٨ - ولم يتوانَ الطرفان في بذل كافة مساعيهم الحميدة لمنع حدوث المصيبة باقتتال المسلمين حتى قبل المعركة بلحظات لم يتوقف كل طرف من محاولة تهدئة الآخر خشية وقوع ما لا يحمد عقباه من الاقتتال، كما فعل أمير المؤمنين علي مع الزبير وطلحة وعائشة رضي الله عنهم ولم يمنعه منصبه كإمام عام للمسلمين أن يحاورهم بنفسه عسى أن يستنقذ ولو نفسًا واحدة من القتال؛ فيلقى الزبير ويحاوره ويستجيش في نفسه معاني الأخوة الإيمانية والسمع والطاعة فيقنع الزبير ويخرج من ساحة المعركة قبل بدء القتال. كما قال الحافظ ابن حجر: روى ابن أبي خيثمة في (تاريخه) من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: (إنا لمع علي لما التقى الصفان فقال: أين الزبير؟ فجاء فجعلنا ننظر إلى يد علي يشير بها، إذ ولّى الزبير قبل أن يقع القتال). وكما أخرج خليفة بن خياط قال: حدثنا علي بن عاصم عن حصين عن عمرو بن جأوان عن الأحنف قال: لما انحاز الزبير قتله عمرو بن جرموز بوادي السباع (تاريخ خليفة / ١٨٦) ورجاله ثقات غير عمرو بن جأوان فقد وثقه ابن حبان وروى له النسائي وقال الذهبي: ثقة. وكذلك أخرج يعقوب بن سفيان في المعرفة والتأريخ (٣/ ٤٠١) من طريق عمرو بن جأوان قال: (فانطلق الزبير منصرفًا فقتله عمرو بن حرموز بوادي السياع) ... وحتى في لحظة الالتحام العصيبة لم يكلّ الطرفان عن محاولاتهم الإصلاحية السليمة ولما أن أيقن سيدنا علي: أن القتال واقع لا محاولة حاول أن لا يكون جيشه هو البادئ بالقتال فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (١٥/ ٢٨٦) عن زيد بن وهب قال: (فكف علي يده حتى بدؤوه بالقتال) ... إلخ الخبر. وصحح ابن حجر إسناده في الفتح (١٣/ ٦٢): وحتى في لحظة الالتحام العصيبة لا يكلّ الطرفان من حيث الجانب المقابل بالتوقف عند هذا الحد فقد أخرج يعقوب بن سفيان عن عمرو بن جأوان قال: (لما التقوا قام كعب بن سور ومعه المصحف ينشدهم الله والإسلام فلم ينشب أن قتل) (المعرفة والتأريخ ٣/ ٣١٢). وأخرجه خليفة بن خياط موصولًا عن عمرو قال: سمعت الأحنف بن قيس (تأريخ خليفة / ١٨٥) كما سنذكر بعد قليل. ٩ - كثرت الروايات الضعيفة في تحديد عدد الجيش الذي كان مع علي رضي الله عنه ولكنّا وجدنا أصح رواية هي ما أخرجه الطبري (٤/ ٥٠٥) عن محمد بن الحنفية قال: أقبلنا من =