للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وخير شهادة على ذلك من كان في الطرف الآخر (أصحاب عائشة، وطلحة، والزبير رضي الله عنهم أجمعين).
فقد أخرج الشافعي في الأم (٤/ ٢١٦) عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: دخلت على مروان بن الحكم فقال: ما رأيت أحدًا أكرم غلبة من أبيك -يعني: عليًّا- ما هو إلّا أن ولّينا يوم الجمل فنادى مناديه: لا يقتل مدبر، ولا يذفف على جريح.
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (١٥/ ١٨٦) خبرًا وفيه: (فما غربت الشمس وحول الجمل أحد، فقال علي: لا تتموا جريحًا ولا تقتلوا مدبرًا، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن).
وصحح ابن حجر إسناده في الفتح (١٣/ ٦٢) وباعتقادنا أن هذه التعليمات التي أصدرها الخليفة الراشد كانت سببًا آخر من أسباب ضآلة القتلى، والله تعالى أعلم.
١٢ - ونعود مرة أخرى لنثبت: أن الجمعين لم يكونا راغبين في القتال وإلّا قولوا لنا بربكم: ماذا يكون شعور القائد بعد أن تكون له الغلبة؟ يفرح، وينتشي، ولكن عليًّا كرّم الله وجهه يحزن حزنًا لا يقل عن حزن الطرف المقابل فيأتيه قاتل الزبير رضي الله عنه عمرو بن جرموز ويتصور أن سيدنا علي سيقلده نوط شجاعة (كما يقال في عصرنا هذا) ولكن سيدنا عليّا يبشره بنار جهنم كما أخرج الترمذي في سننه (٥/ ٦٤٦) والحاكم في المستدرك (٤/ ٣٦٧) (بشر قاتل ابن صفية بالنار) (مرفوعًا). وصحح الحافظ إسناده في الفتح (٦/ ٢٦٤) وكما يقول ابن حجر: فقتله عمرو بن جرموز وجاء إلى علي متقربًا بذلك فبشره بالنار (الفتح ٧/ ١٠٢) ويكفي الزبير: أنه خرج من أرض المعركة قبل نشوبها وفرّ بدينه الذي كان أكبر همه كي لا يموت ظالمًا في الفتنة، وكانت أمنيته أن يموت مظلومًا عسى ألا يبوء بالإثم، كما أخرج البخاري عن عبد الله بن الزبير (الفتح ٦/ ٢٦٢) قال: لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني، فقمت إلى جنبه فقال: يا بني لا يقتل اليوم إلا ظالم أر مظلوم وإني لا أراني إلا سأقتل مظلومًا وإن أكبر همي لديني.
ونحن نقول (والله أعلم): ولعلّ الذين ماتوا ظالمين في هذه المعركة هم قتلة عثمان الذين حرّضوا على القتال والفتنة من السبئية أو غيرهم والله أعلم.
ولم يكن علي رضي الله عنه حزينًا على الزبير فحسب الذي امتنع بكلامه وانسحب فقتل مظلومًا وهو ينجو بنفسه من الفتنة، نقول: بل كان حزينًا أيضًا على كل من قتل كما كان حريصًا على دم كل مقاتل من الطرفين وما أن وقف متأملًا ما آلت إليه المعركة بعد انجلاء غبارها.
حدّث سليمان بن صرد قال: جئت إلى الحسن فقلت: اعذرني عند أمير المؤمنين حيث لم أحضر الوقعة -يعني: الجمل- فقال الحسن: ما يصنع بهذا؟ لقد رأيته يلوذ بي وهو يقول: (يا حسن ليتني متُّ قبل هذا بعشرين سنة) وقال البوصيري: رجاله ثقات (المطالب العالية ٤/ ٣٠٢) وعندما تفقد قتلى الجانبين بعد انتهاء المعركة وجد من بينهم كعب بن سور (قاضي =

<<  <  ج: ص:  >  >>