للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ظرفًا مناسبًا وأمرًا مهيئًا كي يعلن صلحه في توقيت مناسب، وكان أمر الله قدرًا مقدورًا، وصدقت نبوءة جده عليه الصلاة والسلام فيه.
وإذا كانت الأمة الإسلامية قد نعمت بالأمن والأمان لعقدين من الزمان في عهد أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه فقد جعل الله لذلك - بقدره - سببين:
الأول: تفضل أمير المؤمنين الحسن بن علي للصلح على القتال وتقديم المصلحة الأخروية على الدنيوية.
والسبب الثاني: هو ما رزقه الله من الدهاء والحلم والحكمة والسياسة لسيدنا معاوية رضي الله عنه بالإضافة إلى رغبته كذلك في الصلح كما كان يرغب أخوه في الله الحسن بن علي.
وإذِا اقتتل الأخوان يومًا فلا يخرجان بذلك من دائرة الإيمان لقوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُمْ} [الحجرات: ١٠].
وسبق أن ذكرنا رواية الحاكم في المستدرك (٣/ ١٧٠) عن جبير بن نفير قال: قلت للحسن بن علي: إن الناس يقولون: إنك تريد الخلافة، فقال: (قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت تركتها ابتغاء وجه الله تعالى وحقن دماء أمة محمد ... ) الخبر.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والله أعلم.
وكما قال الحافظ ابن حجر، فإنه (أي: الحسن) ترك الملك لا لقلةٍ ولا لذلة ولا لعلة بل لرغبته فيما عند الله لما راه من حقن دماء المسلمين فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة. [الفتح (١٣/ ٦٦)].
ولقد سرد الأستاذ الفاضل خالد بن محمد الغيث بعضًا من هذه الروايات وزاد عليها روايات لم نذكرها نحن وهي صحيحة، وقسَّم الصلح إلى مراحل وبين من خلالها أن محاولة اغتيال الحسن رضي الله عنه تكررت مرة قبل الصلح ومرة بعدها.
والذي نراه - والله أعلم - أنه جرت له محاولة اغتيال مرة واحدة، ولو طعنوه مرتين لذكر قائلًا: وطعني في فخذي مرتين. (مثلًا)، ولم نجد رواية صحيحة تذكر ذلك. وما ذكره البلاذري وغيره - مما ذكره الأستاذ غيث عند حديثه عن المرة الثالية - ذكر بلا إسناد، والله أعلم.
ويبدو لنا ومن خلال الروايات أن الحسن راسل معاوية سرًّا في بداية الأمر كما تبين رواية ابن سعد [فلما توفي علي بعث إلى الحسن فاصلح الذي بينه وبينه سرًّا]، ثم بدأ الحسن يتحدث إلى أقرب المقربين إليه ابن عمه وأخيه، ثم لمَّا كان الوقت المناسب أعلن الصلح على الملأ.
ولقد سرد الأستاذ جميع روايات الصلح سريها وعلنيَّها إلَّا أنه لم يشر إلى ذلك في شرحه للمراحل. وتوفيقًا بين رواية البخاري ورواية ابن سعد الصحيحة عن عمرو بن دينار نقول: =

<<  <  ج: ص:  >  >>