وقال الحافظ ابن كثير: قال ابن أبي الدنيا حدثني هارون بن سفيان عن عبد الله السهمي حدثني ثمامة بن كلثوم أن آخر خطبة خطبها معاوية أن قال: "أيها الناس إن من زرع قد استحصد وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدي خيرٌ مني، وإنما يليكم من هو شرٌ مني، كما كان من وليكم قبلي خيرٌ مني ... الخبر" (البداية والنهاية ٨/ ١٤٤). وكما قال الحافظ المحدث والمفسر والمؤرخ ابن كثير رحمه الله: "ثم ما كان بينه وبين علي بعد قتل عثمان على سبيل الاجتهاد والرأي فجرى بينهما قتال عظيمٍ كما قدمنا وكان الحق والصواب مع علي ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلفًا وخلفًا وقد شهدت الأحاديث الصحيحة بالإسلام للفريقين من الطرفين - أهل العراق وأهل الشام -كما ثبت في الحديث الصحيح "تمرق مارقة على خير فرقة من المسلمين فيقتلها أدنى الطائفتين إلى الحق" البداية والنهاية (٨/ ١٢٩). قلنا: وهذا يعني أن عليًّا والمصلحين من جيشه هم أقرب إلى الحق والصواب في موقفهم، أما معاوية فاجتهد فلم يصب في اجتهاده - ولم يكن سيدنا معاوية فيما بعد مصرًا على صواب اجتهاده بل كان يرى أنه لم يوافق كثيرًا من الصحابة في موقفهم وإن كان أخطأ في اجتهاده فهو يرجو ربه الكريم العفو الحليم -كما أخرج الطبري (٥/ ٣٣٢) من حديث حميد بن هلال عن أبي بردة قال: دخلت على معاوية حيث أصابته قرحته ... الخبر وفي آخره - إن وليت من أمر الناس شيئًا فاستوص بهذا، فإن أباه كان لي خليلًا غير أني رأيت في القتال ما لم يره، وإسناده صحيح -كما بيّنا-. وكما جاء في حديث المسور بن مخرمة عندما دخل على معاوية وانتقده بما أخذ. ثانيًا: واجتهد معاوية - رضي الله عنه - كإمام للمسلمين فاختار ابنه يزيد خلفًا له في حكم المسلمين. ولقد كان تولي يزيد الحكم خطوة مغايرة لما عرفه الناس في عهد الخلافة الراشدة - صحيح أن الناس قد بايعوا الحسن بن علي من بعد استشهاد والده - رضي الله عنهما - إلَّا أن سيدنا علي لم يدع الناس إلى بيعة ابنه الحسن من بعده. ولقد اجتهد الإمام معاوية واجتهاده ذو شقين أصاب في شقه الأول وأخطأ في شقه الثاني، فقد خشي سيدنا معاوية على الأمة أن تمزقها الفرقة والفتنة إن لم تكن اصطلحت على خليفة من بعده وكان يرى ابنه من بين بقية أبناء الصحابة أجدر الناس بسياسة الأمور وإدارة الحكم وإن لم يكن أفضلهم علمًا وأورعهم وكان يرى في تولية يزيد ضمانًا للأمن والاستقرار والهدوء السياسي الذي دام عقدين من الزمان في ظل حكم أمير المؤمنين معاوية - رضي الله عنه - =