المثال الثامن: أخرج البخاري في صحيحه عن وارد مولى المغيرة بن شعبة قال: كتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إليّ ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: خلف كل صلاة، فأملى على المغيرة قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: خلف الصلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وقال ابن جريج: أخبرني عدة أن واردًا أخبره بهذا، ثم وفدت بعد إلى معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك القول (فتح الباري ١١/ ٥٢١). المثال التاسع: أخرج البخاري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يحدث رهطًا من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان من أصدق هؤلاء الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب (فتح الباري ١٣/ ٣٤٥). المثال العاشر: قال الحافظ ابن كثير: روى أبو القاسم البغوي عن سويد بن سعيد عن همام بن إسماعيل عن أبي قبيل قال: كان معاوية يبعث رجلًا يقال له أبو الجيش في كل يوم فيدور على المجالس - يسأل هل ولد لأحد مولود؟ أو قدم أحد من الوفود؟ فإذا أخبر بذلك أثبت في الديوان -يعني ليجري الرزق (البداية والنهاية ٨/ ١٣٧). والأمثلة كثيرة ولا نريد أن نطيل في ذكرها ولكننا ذكرناها في معرض نقدنا وردّنا على تقييم الدكتور العش رحمه الله لبعض جوانب شخصية معاوية ومنهجه في الحكم - وهذا لا يعني أننا وضعنا الدكتور يوسف العش في صف أعداء التأريخ الإسلامي، كلا فالرجل حاول أن يتجنب الروايات الضعيفة والمختلفة في تحليل أحداث الفتنة أيام عثمان - رضي الله عنه - واكتفى بالاحتجاج بالروايات الصحيحة وأبدى تحليلًا قيمًا في غير موضع من كتابه ولعلنا لا نلومه رحمه الله فيما أخطأ فيه وذلك للسبب الآتي: إن توارث الروايات الضعيفة لقرون طويلة دون تقسيمها إلى شطرين صحيح وضعيف وتداولها في الكتب التأريخية المتعاقبة ثم العمل الخطير الذي قام به المستشرقون في بداية القرن العشرين الميلادي عندما جاؤوا بصفة مستشارين في وزارة المعارف في مختلف البلدان العربية (إبان الاستعمار البريطاني والفرنسي وغيرهما) وقيامهم بالإشراف على تأليف كتب التأريخ من ثم اعتماد الروايات الموضوعة والضعيفة جدًّا لكتابة التأريخ الإسلامي ومن تربَّى على تلك الكتب أجيال وأجيال أقول مع كل تلك التراكمات تكونت في أذهاننا صورة خاطئة عن الحكم الإسلامي طول تأريخنا الطويل ومن تلك الصور تلك الصورة المشوهة لسيدنا معاوية - رضي الله عنه -، ولو رجعنا ولو مرة واحدة إلى صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من الصحاح والسنن والمسانيد والمستدركات لتغيّرت الصورة تمامًا في أذهاننا فهذه الكتب =