٥ - لقد أعطتنا الروايات التي اختلقها المبتدعة والكذابون كأبي مخنف والواقدي وغيرهما صورة وهمية تبيّن لنا أن معاوية - رضي الله عنه - كان يرفل بالنعيم ويلبس كذا ويأكل كذا ويمشي كذا ... إلخ ما تصوره لنا الروايات الواهية وتزيد عليها أقلام الكتاب المعاصرين المتغربين من مسلمين ونصارى ممن أطلقوا العنان لأقلامهم فصوّروا في كتبهم ومقالاتهم سيدنا معاوية رجلًا يلبس الملابس المرصعة باللؤلؤ والمرجان ويمشي في الناس في موكب مهيب ويجلس على كرسي ملكي فخم مفخم ... إلخ. ونحن نقول: إن كان معاوية - رضي الله عنه - قد اهتم ببناء دار الخلافة على طراز جديد فقد كان له مبرره "إني في بلاد لا يمتنع فيها من جواسيس العدو، ولابدّ لهم مما يرهبهم من آلة السلطان". ولم نجد رواية صحيحة السند تحكي عن ترف معاوية - رضي الله عنه - في البناء والملبس والمركب لذلك أعرضنا عنها ويبدو لنا والله أعلم أن معاوية كان يهتم ببعض الشكليات المتعلقة بدار الخلافة إظهارًا لهيبة المسلمين أمام الروم المتاخمين للشام في الحدود الشمالية والذين لا يفهمون إلّا ظاهرًا من الحياة الدنيا ولكن معاوية - رضي الله عنه - لم يكن ليهتم بتلك الشكليات حين ينزل إلى السوق يختلط بالناس وحين يذهب إلى المسجد أو إلى الحج وما إلى ذلك ولم نجد رواية صحيحة تذكر عن موكب معاوية وخدمه وحشمه. أخرج ابن عساكر عن يونس بن حلبس قال: رأيت معاوية في سوق دمشق على بغلة له، وخلفه وصيف قد أردفه، عليه قميص مرقوع الجيب وهو يسير في أسواق دمشق (مختصر تأريخ دمشق لابن منظور / ٥٣٠) وإسناده كما ذكره الحافظ ابن كثير قال: وقال هشام بن عمار عن عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة بن حلبس به (البداية والنهاية ٨/ ١٣٧) وهذا إسناد ضعيف والله تعالى أعلم. وأخرج البلاذري في أنساب الأشراف (٤/ ١ / ح ٢٠٣) حدثني هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم عن مروان بن جناح قال: قال عمرو بن العاص وذكر معاوية وهو بمصر: إن إمامكم ممن سهّل الله خليقته، وقوّم طريقته، وأحسن صيغته، فمن كانت النعمة تُبطره، إنها لتذلله وتوصره". قلنا: وأما شيخ البلاذري (هشام بن عمار) فصدوق، وأما الوليد بن مسلم فثقة، وأما مروان بن جناح فلا بأس به والله أعلم. ٦ - ومع كل ما ذكرنا من روايات في البخاري وغيره تدل على تواضع معاوية للعلماء وسماعه لنصيحتهم فلا زالت تراكمات القرون الطويلة تحجب الرؤية الواضحة لمكانة أمير المؤمنين معاوية - رضي الله عنه - وأرضاه كيف لا وهو صاحب رسول الله وكاتب الوحي عنده ولعلّ هذه =