بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله، وبعد: فقد آلينا على أنفسنا أن نمحص روايات الطبري فيما يتعلق بتاريخ الخلفاء الراشدين، والخليفة الأموي معاوية - رضي الله عنهم - أجمعين وحاولنا ما استطعنا بتوفيق الله وعنايته أن نميز بين الضعيف والصحيح ومن هنا فصاعدًا "أي: من بداية عهد يزيد وحتى نهاية عهد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز" نبدأ بتطبيق منهج مغاير بعض الشيء لما اتبعناه في المراحل السابقة. ولكن الأصل الذي لم نتغافل عنه ولن نتغافل عنه إن شاء الله حتى نهاية تحقيقنا لتاريخ الطبري هو الذَبّ عن عدالة الصحابة وبيان التزوير والتشويه الذين لحقا بتاريخ الخلافة في عهد الأمويين والعباسيين ولعل التساهل الذي نبديه فيما يأتي هو قبولنا رواية الراوي الذي سكت عنه ابن أبي حاتم وذكره ابن حبان في الثقات شريطة أن تخلو روايته من النكارة ومن مسائل تتعلق بالعقيدة أو الحلال والحرام، وتخلو كذلك من الطعن في عدالة الصحابة. والجديد أيضًا في منهجنا من سنة (٦٠ هـ) فصاعدًا هو قبولنا لأخبار عزل الولاة وتعيين آخرين غيرهم أو تعيين القضاة وتمصير المدن وبعض أحداث الفتوح دون اشتراط سند موصول والاكتفاء برأي عدة مؤرخين متقدمين (ثقات) كالطبري وابن سعد وابن خياط وغيرهم. ونحن في هذه المسائل الآنفة الذكر نتبع مناهج معروفة لبعض أساتذة التاريخ الكبار المعتمدين كالأستاذ العمري الفاضل الذي أشار في كتابه القيم (السيرة النبوية الصحيحة) إلى اعتماد شيء من التساهل في كتابة التاريخ العام يقول الأستاذ أكرم ضياء العمري -حفظه الله-: وأما اشتراط الصحة الحديثية في قبول الأخبار التاريخية التي لا تمس العقيدة والشريعة ففيه تعسف كثير والخطر الناجم عنه كبير لأن الروايات التاريخية التي دونها أسلافنا المؤرخون لم تعامل معاملة الأحاديث بل تم التساهل فيها وإذا رفضنا منهجهم فإن الحلقات الفارغة في تاريخنا ستمثل هوة سحيقة بيننا وبين ماضينا مما يولد الحيرة والضياع والتمزق والانقطاع، إن تاريخ الأمم الأخرى مبني على روايات مفردة ومصادر مفردة في كثير من حلقاته وهم ينقدون متون الروايات فقط ويحللونها وفق معايير نقدية تمكنهم من الوصول إلى صورة ماضيهم لعدم استعمال الأسانيد في رواياتهم التاريخية لأن الأسانيد اختصت بها الأمة الإسلامية. لكن ذلك لا يعني التخلي عن منهج المحدثين في نقد أسانيد الروايات التاريخية فهي وسيلتنا =