من كان لا يعلم متى يَموت فإني أعلَم متى أمُوت، أموتُ إذا عاينْتُ قُتيبة؛ قال: كلّا أيقتلُك مع الأمان! فركب ومضَى معه جبغويه - وقد بَرَأ من الجُدَريّ - وصُولُ وعثمانُ ابنا أخي نيزَك - وصول طَرْخان خليفة جبْغويه، وخنس طرخان صاحب شرطه - قال: فلما خرج من الشِّعب عطفت الخيلُ التي خلفها سليم على فوّهة الشعب؛ فحالوا بين الأتراك وبين الخروج، فقال نيزَك لسُلَيم: هذا أوّل الشرّ؛ لا تفعل، تخلُّف هؤلاء عنك خيرٌ لك.
وأقبَل سليم ونيزَك ومن خرج معه حتى دخلوا على عبد الرحمن بن مُسلم، فأرسل رسولًا إلى قتيبة يُعلِمه، فأرسَل قتيبةُ عمرو بن أبي مهزَم إلى عبد الرحمن؛ أن اقدم بهم عليّ، فقَدِم بهم عبدُ الرحمن عليه، فحبَس أصحابَ نيزَك، ودفع نيزَك إلى ابن بسّام اللّيثي، وكتب إلى الحجّاج يستأذنه في قتل نيزَك، فجعل ابن بسام نيزَك في قُبّته، وحفر حول القبة خَنْدقًا، ووَضَع عليه حَرَسًا، ووجّه قتيبةُ معاويةَ بن عامر بن علقمة العُلَيميّ، فاستخرج ما كان في الكُرز مَنْ مَتاع ومن كان فيه، وقَدِم به على قتيبة، فحبسهم ينتظر كتابَ الحجاج فيما كتب إليه، فأتاه كتابُ الحجاج بعد أربعين يومًا يأمُره بقَتْل نيزَك. قال: فدعا به فقال: هل لك عندي عَقْد أو عند عبد الرحمن أو عند سليم؟ قال: لي عند سليم؛ قال: كذبتَ، وقام فدَخَل ورَدَّ نيزَك إلى حَبْسه، فمكث ثلاثة أيام لا يَظهرَ للناس. قال: فقام المهلب بن إياس العدويّ، وتكلّمِ في أمْر نيزَك، فقال بعضهم: ما يحِلّ له أن يقتله، وقال بعضهم: ما يحلّ له تركُه، وكثرت الأقاويلُ فيه.
وخرج قتيبة اليومَ الرابع فجلس وأذن للناس، فقال: ما تَروْن في قَتْل نيزَك؟ فاختَلَفوا، فقال قائلٌ: اقتله، وقال قائل: أعطيتَهُ عَهْدًا فلا تَقتُله؛ وقال قائل: ما نأمنه على المسلمين. ودخل ضرار بن حصين الضبيّ فقال: ما تقول يا ضرار؟ قال: أقول: إنّي سمعتك تقول: أعطيتُ اللهَ عَهْدًا إنْ أمكتَك منه أن تقتُلَه، فإن لم تفعل لا ينصرنك الله عليه أبدًا، فأطرَق قُتيبةُ طويلًا، ثمّ قال: والله لو لم يبق من أجلي إلا ثلاث كلمات لقلتُ: اقتُلُوه، اقتُلُوه، اقتُلوه؛ وأرسَل إلى نيزَك فأمر