ج - أخرج البلاذري من طريق المدائني عن مسلمة بن محارب قال: قال خالد بن صفوان: دخلت على هشام بن عبد الملك في يوم شديد الحر وهو في بركة ماؤها يغمر الكعبين وقد وضع له كرسي فجلس عليه فلما رآني دعا لي بكرسي ثم جلس يسائلني فأقبلت أحدثه ثم قال: يا خالد لربّ خالدٍ جلس مجلسك كان أحب إليّ منك -يعني خالد بن عبد الله القسري- قال: فقلت: يا أمير المؤمنين لو تفضلت عليه بصفحك وتغمّدته بحلمك؟ فقال: إن خالدًا أدلَّ فأملَّ وأوجف فأعجف فسكت [كتاب جمل من أنساب الأشراف ٨/ ٣٦٠٠] ومسلمة أخباري مأمون وأما خالد بن صفوان فقد قال فيه الذهبي أحد فصحاء العرب ومن مشاهير الأخباريين [تأريخ الإسلام / المجلد السابق / ٨١]. وهذه أمثلة على تواضع هشام واختلاطه بالعامة والخاصة في الأيام العادية ومشاركة الناس في مناسباتهم وأحزانهم وما إلى ذلك فقد صح عن هشام بن عبد الملك أنّه صلّى على عددٍ من أئمة التابعين حين حضر جنازتهم - فكان يحج معهم ويزاحمونه عند الحجر ويموتون فيصلي عليهم ويدخل عليه الناس في وقت استجمامه وراحته - يا ترى كم تتغيّر الصورة لو قبلنا فقط روايات المؤرخين الثقات وبأسانيدهم الصحيحة بدلًا من أكوام الروايات المهلهلة التي لفّقها أبو مخنف والكلبي وغيرهما - ولقد أخرج ابن عساكر من طريق أبي بكر بن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيد قال دخل عقال بن شبة على هشام فأراد أن يقبل يده فمنعه وقال مَهْ لا يفعل هذا من العرب إلا الهلوع ولا من العجم إلا الخضوع [٤٠/ ٤٨١]. ٤ - حب هشام لمجالس العلم والعلماء وتكفله لمعاشهم والسؤال عنهم واستشارتهم في أمور الحكم: أ - معلوم لدى المؤرخين (متقدمين ومتأخرين) أن الإمام الزهري رحمه الله تعالى كان كالظل للخليفة هشام يشير عليه في أمور الخير ويعينه على الحكم بكتاب الله وسنة نبيّه وكان هشام يُحُبه ويُجلّه - فقد أخرج البسوي من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد أن هشام بن عبد الملك سأل الزهري أن يملي على بعض ولده فدعا بكاتب فأملى عليه أربعمئة حديث ثم خرج الزهري من عند هشام فقال أين أنتم يا أصحاب الحديث فحدثهم تلك الأربعمئة حديث ثم أقام هشام شهرًا ... إلى آخر الخبر [المعرفة والتأريخ ١/ ٦٤٠ / و ١/ ٦٣٠] وأخرج البسوي قال: حدثني عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه: أن هشام بن عبد الملك قضى دين ابن شهاب ثمانين ألف درهم [المعرفة والتأريخ ١/ ٦٣٠] وهذا إسناد صحيح وأخرج ابن العديم من طريق الوليد بن شجاع قال حدثني محمد بن شعيب بن شابور قال أخبرنا الوليد بن سليمان بن أبي الساري عن رجاء بن حيوة أنه حدثه قال: كتب هشام بن =