سلمة الحروريّ ومَن معه من النقباء، ووقف على حجرة علي بن جُدَيع، فدخل عليه وأعطاه الرضا، وآمنه على نفسه وأصحابه، وخرجا إلى حجرة شيبان، وهو يسلَّم عليه يومئذ بالخلافة، فأمر أبو مسلم عليًّا بالجلوس إلى جنب شيبان، وأعلمه أنه لا يحلّ له التسليم عليه. وأراد أبو مسلم أن يُسلِّم على عليَّ بالإمْرة، فيظنّ شيبان أنه يسلم عليه. ففعل ذلك عليّ، ودخل عليه أبو مسلم، فسلّم عليه بالإمارة، وألطف لشيبان وعظمه، ثم خرج من عنده فنزل قصر محمد بن الحسن الأزديّ، فأقام به ليلتين، ثم انصرف إلى خندقه بالماخُوان، فأقام به ثلاثة أشهر، ثم ارتحل من خَنْدقه بالماخُوان إلى مَرْو لسبع خلوْن من ربيع الآخر؛ وخلّف على جنده أبا عبد الرحمن الماخُوانيّ، وجعل أبو مسلم على ميمنته لاهز بن قريظ، وعلى ميسرته القاسم بن مجاشع، وعلى مقدّمته مالك بن الهيثم، وكان مسيره ليلًا، فأصبح على باب مدينة مَرْو، وبعث إلى علي بن جُديع أن يبعث خيله حتى وقف على باب قصر الإمارة، فوجد الفريقين يقتتلان أشدّ القتال في حائط مَرْو، فأرسل إلى الفريقين أن كُقوا، وليتفرّقْ كلّ قوم إلى معسكرهم، ففعلوا. وأرسل أبو مسلم لاهز بن قريظ وقريش بن شقيق وعبد الله بن البَختريّ، وداود بن كرّاز إلى نصر يدعوه إلى كتاب الله والطاعة للرّضا من آل محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فلما رأى نصر ما جاءه من اليمانية والرَّبَعيهَ والعجم، وأنه لا طاقة له بهم؛ ولا بد إن أظهر قبول ما بعث به إليه أن يأتيه فيبايعه، وجعل يريثهم لما همّ به من الغدر والهرب إلى أن أمسى، فأمر أصحابه أن يخرجوا من ليلتهم إلى ما يأمنون فيه؛ فما تيسّر لأصحاب نصر الخروج في تلك الليلة. وقال له سَلْم بن أحوز: إنه لا يتيسّر لنا الخروج الليلة؛ ولكنا نخرج القابلة، فلما كان صبح تلك الليلة عبأ أبو مسلم كتائبَه، فلم يزل في تعبيتها إلى بعد الظهر، وأرسل إلى نصر لاهز بن قريظ وقريش بن شقيق وعبد الله بن البَختريّ وداود بن كرّاز وعدّة من أعاجم الشيعة، فدخلوا على نصر، فقال لهم: لِشرّ ما عدتم، فقال له لاهز: لا بدّ لك من ذلك؛ فقال نصر: أما إذ كان لا بدّ منه؛ فإني أتوضأ وأخرج إليه، وأرسل إلى أبي مسلم؛ فإن كان هذا رأيه وأمره أتيتُه ونعمَى لعينه، وأتهيأ إلى أن يجيء رسولي، وقام نصر، فلما قام قرأ لاهز هذه الآية: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ