وسلم، وقام قائمًا بين يديه، فقال: انصرف يا عبدَ الرحمن فأرحْ نفسك، وادخل الحمام؛ فإن للسفر قشَفًا، ثم اغدُ عليَّ، فانصرف أبو مسلم وانصرف الناس، قال: فافْتَرى عليّ أمير المؤمنين حين خرج أبو مسلم؛ وقال: متى أقدر على مثل هذه الحالة منه التي رأيته قائمًا على رجليه، ولا أدري ما يحدث في ليلتي! فانصرفت وأصبحت غاديًا عليه؛ فلما رآني قال: يا بن اللخناء، لا مرحبًا بك! أنك منعتَني منه أمسِ؛ والله ما غمضتُ الليلة، ثم شتمني حتى خفتُ أن يأمر بقتلي، ثم قال: ادع لي عثمان بن نَهيك، فدعوتُه، فقال: يا عثمان، كيف بلاء أمير المؤمنين عندك؟ قال: يا أمير المؤمنين إنما أنا عبدُك، والله لو أمرتَني أن أتّكِيء على سيفي حتى يخرج من ظهري لفعلت، قال: كيف أنت إن أمرتُك بقتل أبي مسلم؟ فوجَم ساعةً لا يتكلم، فقلت: مالك لا تتكلم! فقال قولة ضعيفة: أقتله؛ قال: انطلِق فجيء بأربعة من وجوه الحرس جُلْد، فمضى؛ فلما كان عند الرّواق، ناداه: يا عثمان يا عثمان؛ ارجع؛ فرجع، قال: اجلس؛ وأرسِلْ إلى مَنْ تثق به من الحرس، فأحضرْ منهم أربعة، فقال لوصيف له انطلق: فادعْ شبيب بن واج، وادعُ أبا حنيفة ورجلين آخرين؛ فدخلوا فقال لهم أمير المؤمنين نحوًا مما قال لعثمان، فقالوا: نقتله، فقال: كونوا خَلْف الرواق؛ فإذا صفَّقت فاخرجوا فاقتلوه.
وأرسل إلى أبي مسلم رسلًا بعضهم على إثر بعض، فقالوا: قد ركب، وأتاه وصيف، فقال: أتى عيسى بن موسى، فقال: يا أميرَ المؤمنين، ألا أخرج فأطوف في العسكر، فأنظر ما يقول الناس؟ هل ظن أحد ظَنًّا، أو تكلم أحد بشيء؟ قال: بلى، فخرجتُ وتلقاني أبو مسلم داخلًا، فتبسّم وسلمت عليه ودخل، فرجعت؛ فإذا هو منبطحٌ لم ينتظر به رجوعي، وجاء أبو الجهم، فلما رآه مقتولًا قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! فأقبلت على أبي الجهم، فقلت له: أمرتَه بقتله حين خالف، حتى إذا قُتِل قلتَ هذه المقالة! فنبّهت به رجلًا غافلًا،