وأخيرًا المنصور ما له وما عليه: سبق وأن ذكرنا مرارًا أن تأريخ القرون الفاضلة هو تأريخ تطبيق عقيدة التوحيد وشريعة الإسلام والممتد إلى سنة (٢٢٠ هـ تقريبًا) كما حدّده بعض علماء الإسلام إذ به ينتهي عمر الجيل الفاضل الثالث (أتباع التابعين) انظر فتح الباري شرح ح / ٣٦٥١ فضائل الصحابة (وهذا التأريخ العظيم وبالرغم مما تخلله من مصائب ومحن وفتن ودماء أريقت لتثبيت الحكم فإنه في الجملة تأريخ مليء بأمثلة العدل والصدق واستقلالية القضاء وإجلال العلماء ونشر العدل بين الناس والفتوحات وسدّ الثغور وإصلاح الرعية وقد شوّه المبتدعة وأهل الأهواء ذلك التأريخ وشوّهوا سيرة كثير من الخلفاء حتى أصبح البعض يتصور أن الإسلام لم يطبّق إلا في عقود قليلة جدًّا من تلك القرون وذلك لا يصح. وقد تحدثنا عن مواضع تشويه وتزوير سيرة الخلفاء الماضين ونقول هنا ونحن بصدد سيرة المنصور أبي جعفر إن الرجل مظلوم تأريخيًا ولا بد من بيان الحقيقة. وإذا كان شيء يعاب على المنصور فهو شدّته مع الخارجين على الخلافة تلك الشدة كانت السبب في إراقة دماء بعضها بحق لأن أهل البدع اقتحموا دار الخلافة وكادوا أن يسقطوها وبعضها الآخر بغير حق وأعني ما دار بينه وبين أبناء عمومته (محمد وإبراهيم) ابني عبد الله بن الحسن رضي الله عنه أبناء العمومة أجمعين (بني العباسي وبني علي) وإن كان المنصور قد أعياه الطلب في أثرهما وسلك طرقًا عدة لاسترضائهما قبل =