للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعاصي في الأرض ويذهب المعروفُ، فلا يأمر به أحد، ويفشو المنكرُ فلا يَنهى عنه أحد.

فإذا كان ذلك حبِست الشمس مقدار ليلة تحت العرش، فكلّما سجدت وأستأذنت: من أين يطلع؟ لم يُحَرْ إليها جواب؛ حتى يوافيَها القمر ويسجد معها ويستأذن: من أين تطلع؟ فلا يُحار إليه جواب، حتى يحبسهما مقدار ثلاث ليال للشمس، وليلتين للقمر، فلا يَعرِف طول تلك الليلة إلَّا المتهجدون في الأرض؛ وهم حينئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين؛ في هوان من الناس وذلة من أنفسهم، فينام أحدُهم تلك الليلة قَدْرَ ما كان ينام قبلها من الليالي، ثم يقوم فيتوضأ ويدخل مصلّاه فيصلي ورْده، كما كان يصلي قبل ذلك، ثم يخرج فلا يرى الصبح، فينكر ذلك ويظنّ فيه الظنون من الشرّ ثم يقول: فلعلّني خففتُ قراءتي، أو قضَرت صلاتي، أو قمت قبل حيني!

قال: ثم يعود أيضًا فيصلِّي ورْده كمثل ورْده، الليلة الثانية، ثم يخرج فلا يرى الصبح، فيزيده ذلك إنكارًا، ويخالطه الخوف، ويظنّ في ذلك الظنون من الشرّ، ثم يقول: فلعلي خففت قراءتي، أو قصّرت صلاتي، أو قمت من أوّل الليل! ثم يعود أيضًا الثالثة وهو وجِل مُشفق لما يتوقع من هول تلك الليلة، فيصلي أيضًا مثل ورْده، الليلة الثالثة، ثم يخرج فإذا هو بالليل مكانه والنجوم قد استدارت وصارت إلى مكانها من أول الليل. فيشفق عند ذلك شفقة الخائف العارف بما كان يتوقع من هول تلك الليلة فيستلحمه الخوف، ويستخفّه البكاء، ثم ينادي بعضُهم بعضًا، وقبل ذلك كانوا يتعارفون ويتواصلون، فيجتمع المتهجِّدون من أهل كلّ بلدة إلى مسجد من مساجدها، ويجأرون إلى الله عزّ وجلّ بالبكاء والصراخ بقية تلك الليلة، والغافلون في غفلتهم، حتى إذا ما تمّ لهما مقدارُ ثلاث ليال للشمس وللقمر ليلتين، أتاهما جبرئيل فيقول: إن الرب عزّ وجلّ يأمركما أن ترجِعا إلى مغارِبكما فتطلعا منها، وأنّه لا ضوء لكما عندنا ولا نورَ. قال: فيبكيان عند ذلك بكاء يسمعه أهل سبع سموات من دونهما وأهل سرادقات العرش وحملة العرش من فوقهما، فيبكون لبكائهما مع ما يخالطهم من خوف الموت، وخوف يوم القيامة.

قال: فبينا الناس ينْتظرون طلوعهما من المشرق إذا هما قد طلعا خَلْف أقفيتهم

<<  <  ج: ص:  >  >>