٣١٢ - وبعض المجوس تزعمُ أنه جعله أسيرًا حبيسًا في تلك الجبال، موكَّلًا به قوم من الجنّ.
ومنهم من يقول: إنه قتله، وزعموا: أنه لم يُسمَع من أمور الضحاك شيء يستحسَن غير شيء واحد؛ وهو أن بَليَّته لما اشتدت ودام جَوْرُه وطالت أيامه، عظُم على الناس ما لقُوا منه، فتراسل الوجوه في أمره، فأجمعوا على المصير إلى بابه، فوافى بابَه الوجوهُ والعظماء من الكُور والنواحي، فتناظروا في الدخول عليه والتظلّم إليه، والتأتِّي لاستعطافه، فاتفقوا على أن يقدِّموا للخطاب عنهم كابي الأصبهانيّ، فلما صاروا إلى بابه أعلم بمكانهم، فأذِن لهم، فدخلوا وكابي متقدّم لهم، فمَثل بين يديه، وأمسك عن السلام، ثم قال: أيها الملك، أيّ السلام أسلّم عليك؟ أسلام مَنْ يملك هذه الأقاليم كلَّها، أم سلام مَنْ يملك هذا الإقليم الواحد؟ -يعني: بابل- فقال له الضحاك: بل سلام مَنْ يملك هذه الأقاليم كلَّها، لأني ملك الأرض. فقال له الأصبهانيّ: فإذا كنت تملك الأقاليم كلَّها، وكانت يدك تنالها أجمع، فما بالُنا قد خُصصْنا بمؤنتك وتحامُلك وإساءتك من بين أهل الأقاليم! وكيف لم تقسم أمر كذا وكذا بيننا وبين الأقاليم؟ وعدَّد عليه أشياء كان يُمكنه تخفيفَها عنهم، وجرّد له الصدق والقول في ذلك، فقدح في قلب الضحّاك قولُه، وعمِل فيه حتى انخزل وأقرّ بالإساءة، وتألّف القوْم ووعدهم ما يُحبُّون، وأمرهم بالانصراف لينزلوا ويتّدعوا، ثم يعودوا ليقضي حوائجهم، ثم ينصرفوا إلى بلادهم (١). (١: ١٩٩/ ٢٠٠).
٣١٣ - وزعموا: أن أمه ودك كانت شرًّا منه وأرْدَى، وأنها كانت في وقت مُعاتبة القوم إياه بالقُرْب منه تتعرف ما يقولونه، فتغتاظ وتُنكره، فلما خرج القوم دخلت مُستشيطةً مُنكرة علَى الضحاك احتماله القوم، وقالت له: قد بلغني كلّ ما كان وجُرْأةُ هؤلاء القوم عليك حتى قَرَّعوك بكذا، وأسمعوك كذا، أفلا دمَّرْتَ عليهم ودمدمتهم، أو قطعت أيديهم!
فلما أكثرتْ على الضحاك قال لها مع عتوّة: يا هذه! إنك لم تفكِّري في شيء إلا وقد سبقتُ إليه؛ إلا أن القوم بَدَهوني بالحق، وقَرّعوني به، فلما هممت