اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}، أي كلَّ شيء أمرت به. فكان أول من أبصر ما فيها أنها ريح - فيما يذكرون - امرأة من عاد يقال لها مَهْدد، لما تبيّنت ما فيها صاحت ثم صعقت، فلما أفاقت قالوا: ماذا رأيت يا مَهْدَد؟ قالمت: رأيت ريحًا فيها كشُهُب النار، أمامها رجالٌ يقودونها. فسخّرها الله عليهم {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا}، كما قال الله: والحُسُومُ: الدائمة؛ فلم تَدَعْ من عادٍ أحدا إلا هلك.
فاعتزل هود - فيما ذُكر - ومن معه من المؤمنين في حظيرة، ما يُصيبه ومن معه منها إلا ما تَلين عليه الجلود، وتلتذّ الأنفس؛ وإنها لتمُرُّ من عاد بالظعن ما بين السماء والأرض، وتدمغُهم بالحجارة. وخرج وَفْد عاد من مكَّة حتى مرُّوا بمعاوية بن بكر وأبيه، فنزلوا عليه، فبيناهم عنده، إذ أقبل رجل على ناقة له في ليلة مقمرة مُسْيَ ثالثة من مصاب عاد، فأخبرهم الخبرَ، فقالوا: فأين فارقت هودًا وأصحابه؟ قال: فارقتهم بساحل البحر، فكأنهم شكُّوا فيما حدَّثهم، فقالت هزيلة بنت بكر: صدق وربِّ مكَّة. ومثوِّب بن يعْفر بن أخي معاوية بن بكر معهم. وقد كان قيل - فيما يزعمون والله أعلم - لمرثد بن سعد ولقمان بن عاد، وقَيل بن عتر حين دعوا بمكة: قد أعطيتم مُنَاكمِ فاختاروا لأنفسكم، إلا أنه لا سبيلَ إلى الخلد، فإنه لا بدَّ من الموت، فقال مرْثَد بن سعد: ياربّ، أعطني برًّا وصدقا، فأعطيَ ذلك، وقال لقمان بن عاد: أعطني عُمْرًا، فقيل له: اختر لنفسك، إلّا إنه لا سبيل إلى الخُلْد: بقاء أيعار ضأن عُفر، في جبل وعر، لا يُلقى به إلا القطِر، أم سبعة أنسر إذا مضى نسْر حلوتَ إلى نسر؟ فاختار لقمان لنفسه النسور، فعُمِّر - فيما يزعمون - عُمْرَ سبعة أنسر، يأخذ الفرخ حين يخرج من بيضته، فيأخذ الذكَر منها لقوَّته؛ حتى إذا مات أخذ غيرَه، فلم يزلْ يفعل ذلك، حتى أتى على السابع. وكان كلّ نسر فيما زعموا يعيش ثمانين سنة، فلمَّا لم يبق غيرُ السابع قال ابن أخ للقمان: أي عمّ، ما بقي من عمرك إلا عمر هذا النسر؛ فقال له لقمان: أي ابن أخي: هذا لُبَدٌ - ولُبَد بلسانهم الدهر - فَلمَّا أدرك نسر لقمان، وانقضى عمره، طارت النسور غداةً من رأس الجبل، ولم ينهض فيها لُبَد، وكانت نسور لقمان تلك لا تغيب عنه؛ إنما هي بعينه. فلما لم ير لقمان لُبدًا نهض مع النسور؛ نهض إلى الجبل لينظر ما فعل لُبَد، فوجد لقمان في نفسه