صاحبه. فصفَّ خمسة عشر ألف ساحر، مع كلّ ساحر حباله وعصيه، وخرج موسى ومعه أخوه يتكئ على عصاه، حتى أتى الجمع وفرعون في مجلسه ومعه أشراف أهل مملكته، وقد استكفَّ له الناس، فقال موسى للسحرة حين جاءهم:{قَال لَهُمْ مُوسَى وَيلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}، فترادّ السحرة بينهم، وقال بعضهم لبعض:[ما هذا بقول ساحر، ثم قالوا وأشار بعضهم إلى بعض] بتَناج: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}. ثم قالوا: {يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) قَال بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}.فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصرَ موسى وبصرَ فرعون، ثم أبصار الناس بعد، ثم ألقى كلُّ رجل منهم ما في يده من العصيّ والحبال، فإذا هي حيّات كأمثال الجبال، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضًا. {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى}، وقال: والله إن كانت لَعِصيًّا في أيديهم، ولقد عادت حيّات، وما تعدو عصايَ هذه -أو كما حدّث نفسه- فأوحى الله إليه:{وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيثُ أَتَى}، وفُرِج عن موسى فألقى عصاه من يده، فاستعرضت ما ألقوْا من حبالهم وعصيهم -وهي حيّات في عين فرعون وأعين الناس تسعى- فجعلت تَلْقفها، تبتلعها حية حية، حتى ما يُرى في الوادي قليل ولا كثير مما ألقوْا، ثم أخذها موسى فإذا هي عصاه في يده كما كانت، ووقع السَّحرَة سجدًا {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} لو كان هذا سحرًا ما غلَبنا. قال لهم فرعون -وأسف ورأى الغلبة البيِّنة-: {آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ}، [أي لعظيم السُّحّار الذي علمكم]{فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ} -إلى قوله- {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ}، [أي لن نؤثرك على الله وعلى ما جاءنا من الحجج مع نبيه فاقض ما أنت قاض]، أي فاصنع ما بدا لك، {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} التي ليس لك سلطان إلا فيها، ثم لا سلطان لك بعدها، {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيرٌ وَأَبْقَى}، أي: خير منك ثوابًا، وأبقى عقابًا، فرجع عدوُّ الله مغلوبًا ملعونًا ثم أبى إلا الإقامة على الكفر، والتمادي في الشر، فتابع الله عليه بالآيات، وأخذه بالسنين، فأرسل عليه الطوفان (١). (١: ٤٠٧/ ٤٠٨ / ٤٠٩/ ٤١٠).