للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال لي: كذا وكذا، قال هامان: وما رددت عليه؟ قال: قلت: حتى يأتيَ هامان فأستشيره، فعجَّزه هامان، وقال: قد كان ظنّي بك خيرًا من هذا، تصير عبدًا يَعبد بعد أن كنتَ ربًا يُعبد! فذلك حين خرج عليهم فقال لقومه وجمعهم فقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، وكان بين كلمته {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيرِي} وبين قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} أربعون سنة. وقال لقومه: {مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (١١٠) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ}. قال فرعون: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَينَنَا وَبَينَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى} - يقول: عَدلًا، قال موسى: {قَال مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} - وذلك يوم عيد لهم - {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيدَهُ ثُمَّ أَتَى}. وأرسل فرعون في المدائن حاشرين؛ فحشَروا عليه السحرة، وحشروا الناس ينظرون، يقول: {هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} -إلى قوله- {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} - يقول: عطيّة تعطينا- {قَال نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}. فقال لهم موسى: {وَيلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ}، يقول: يهلككم بعذاب. {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَينَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} من دون موسى وهارون، وقالوا في نجواهم: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}، يقول: يذهبا بأشراف قومكم.

فالتقى موسى وأمير السحرة، فقال له موسى: أرأيتك إن غلبتُك أتؤمنُ بي وتشهد أن ما جئت به حق؟ قال: نعم، قال الساحر: لآتينّ غدًا بسحر لَا يغلِبه سحر، فوالله لئن غلبتَني لأومِنَنَّ بك، ولأشهدنَّ أنك على حق -وفرعون ينظر إليهما- وهو قول فرعون: {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ}، إذ التقيتما لتتظاهرا {لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا} فقالوا: {يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ}، قال لهم موسى: ألقوا فألقوْا حبالهم وعصيَّهم -وكانوا بضعة وثلاثين ألف رجل، ليس منهم رجل إلا ومعه حبل وعصا- {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} يقول: فرّقوهم. {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى}، فأوحى الله إليه: ألّا تخف، {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا}. فألقى موسى عصاه فأكلت كلَّ حية لهم، فلما رأوْا ذلك سجدوا، وقالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} قال فرعون:

<<  <  ج: ص:  >  >>