للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله عليهم، فقال: ويلكم! نبي الله معه الملائكة والمؤمنون! كيف أذهب أدعو عليهم، وأنا أعلم من الله ما أعلم! قالوا: ما لنا من منزل، فلم يزالوا به يرقّقونه، ويتضرعون إليه حتى فتنوه، فافتتن فركب حمارة له متوجهًا إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل، وهو جبل حُسْبان، فما سار عليها غير قليل، حتى ربضت به، فنزل عنها فضربها حتى أذلقها فقامت فركبها، فلم تسِرْ به كثيرًا حتى رَبضت به، ففعل بها مثل ذلك، فقامت فركبها، فلم تسرْ به كثيرًا حتى ربضت به، فضرَبها حتى إذا أذلقها أذن الله لها فكلمتْه حُجّةً عليه، فقالت: ويحك يا بلعم! أين تذهب! ألا ترى الملائكة أمامي تردّني عن وجهي هذا! أتذهب إلى نبيّ الله والمؤمنين تدعو عليهم! فلم ينزع عنها يضربها، فخلّى الله سبيلَها حين فعل بها ذلك، فانطلقت حتى إذا أشرفت به على جبل حُسْبان، على عسكر موسى وبني إسرائيل، جعل يدعو عليهم، فلا يدعو عليهم بشيء إلّا صرف الله لسانه إلى قومه، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني إسرائيل، فقال له قومه: أتدري يا بلعم ما تصنع؟ إنما تدعو لهم، وتدعو علينا، قال: فهذا ما لا أملك، هذا شيء قد غَلب الله عليه، واندلع لسانُه فوقع على صدره، فقال لهم: قد ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والحيلة، فسأمكر لكم وأحتال، جَمِّلوا النساء وأعطوهنّ السّلع، ثم أرسلوهنّ إلى العسكر يبعنها فيه، ومروهنّ فلا تمنع امرأة نفسَها من رجل أرأدها؛ فإنه إن زنى رجل واحد منهم كُقيتموهم، ففعلوا، فلما دخل النساء العسكر مرّت امرأة من الكنعانين اسمها كستى ابنة صور -رأس أمته وبني أبيه من كان منهم في مدين، هو كان كبيرهم- برجل من عظماء بني إسرائيل، وهو زمري بن شلوم، رأس سِبْط شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فقام إليها فأخذ بيدها حين أعجبه جمالُها، ثم أقبل حتى وقف بها على موسى، فقال: إني أظنك ستقول: هذه حرام عليك! قال: أجلْ هي حرام عليك لا تقرَبْها، قال: فوالله لا نُطيعك في هذا، ثم دخل بها قبّته فوقع عليها، فأرسل الله الطاعون في بني إسرائيل. وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمْر موسى، وكان رجلًا قد أعطِيَ بسطة في الخلق، وقوة في البطش، وكان غائبًا حين صنع زمري بن شلوم ما صنع، فجاء والطاعون يحوس في بني إسرائيل، فأخبِر الخبر، فأخذ حربته -وكانت من حديد كلّها- ثم دخل عليهما القبة وهما متضاجعان فانتظمهما بحربته، ثم خرج

<<  <  ج: ص:  >  >>