ونحن رؤوسهم، وهي أرض كثير مالها، ضعيف أهلها، طيّبة معيشتها، كثيرة أنضارها، وفيهم الكنوز وملْك ثلاثين ملكًا، وهم الذين كان يوشع بن نون خليفة موسى سار بهم في البحر هو وقومه؛ فنحن وأرضنا لك، وبلادنا بلادك، وليس أحدٌ فيها يناصبك، هم دافعون أيديَهم إليك بغير قتال، بأموالهم وأنفسهم مسالمة.
قال لهم زرح: لَعَمْري، ما كنت لأجيبَكم إلي ما دعوتموني إليه، ولا أستجيب إلي مقاتلة قوم لعلّهم أطوعُ لي منكم، حتى أبعثَ إليهم من قومي أمناء، فإن وقع الأمرُ علي ما تكلّمتم به قدّامي؛ نفعكم ذلك عندي، وجعلتُكم عليها ملوكًا، وإن كان كلامكم كذبًا؛ فإني منزِل بكم العقوبة التي تنبغي لمن كذَبني.
قال القوم: تكلّمتَ بالعدل، وحكمتَ بالقسط، ونحن به راضون. فأمر عند ذلك بالأرزاق فأجريَت عليهم، واختار من قومه أمناء ليبعثهم جواسيس، فأوصاهم بوصيته، وخوَّفهم وحذَّرهم بطشه إن هم كذَبوه، ووعدهم المعروف إن هم صدَقوه، وقال زرح: إنّي مرسلكم لأمانتكم، وشحّكم علي دينكم، وحسن رأيكم في قومكم، لتطالعوا لي أرضًا من أرضي، وتبحثوا لي عن شأنها، وتُعلموني عِلْم أهلها وملِكها وجنودها وعددها وعدد مياهها، وفِجاجها وطرقها، ومداخلها ومخارجها، وسهولتها وصعوبتها؛ حتى كأني شاهد ذلك وعالمه، وحاضر ذلك وخابره. وخذوا معَكم من الخزائن من الياقوت والمرجان والكسوة ما يفرغون إليه إذا رأوْه، ويشترون منكم إذا نظروا إليه.
فأمكنهم من خزائنه حتى أخذوا منها، فجهّزهم لبَرّهم وبحرهم، ووصف لهم القوم الذين أتوهم الطرقَ، ودلّوهم علي مقاصدها، فساروا كالتجار؛ حتى نزلوا ساحِلَ البحر، ثم ركبوا منه حتى أرسوْا علي ساحل إيلِيَاء، ثم ساروا حتى دخلوها، فخلّفوا أثقالهم فيها، وأظهروا أمتعتهم وبضاعتهم، ودعوا الناس إلي أن يشتروا منهم؛ فلم يفرُغوا لبضاعتهم، وكسدت تجارتُهم، فجعلوا يُعطون بالشيء القليل الشيءَ الكثير؛ لكيلا يخرجوهم من قريتهم، حتى يعلموا أخبارَهم، ويحقُّوا شأنهم ويستخرجوا ما أمرهم به ملكهم من أخبارهم.
وكان أسا الملك قد تقدّم إلي نساء بني إسرائيل ألّا يُقْدَر علي امرأة لا زوج لها