بهيئة امرأة لها زوج إلّا قتلها أو نفاها من بلاده إلي جزائر البحار؛ فإنّ إبليس لم يدخل علي أهل الدِّين في دينهم بمكيدة هي أشدّ من النساء؛ فكانت المرأة التي لا زوج لها لا تخرج إلّا منتقبة في رِثّة الثياب لئلّا تعرف، فلما بذل هؤلاء الأمناء بضاعتهم ما ثمنُه مئة درهم بدرهم، جعل نساء بني إسرائيل يشترِين خُفْية بالليل سرًّا، لا يعلم بهنّ أحد من أهل دينهن؛ حتى أنفقوا بضاعَتهم واشتروْا بها حاجتَهم، واستوعبوا خَبَر مدينتهم وحصونهم، وعددَ مياههم، وكانوا قد كتموا رؤوس بضاعتهم ومحاسنها من اللؤلؤ والمرجان والياقوت هديّة للملك، وجعل الأمناء يسألون منْ رأوا من أهل القرية عن خبر الملك وشأنه؛ إذ لم يشتر منهم شيئًا، وقالوا: ما شأن الملك لا يشتري منا شيئًا! إن كان غنيًّا فإنّ عندنا من طرائف البضاعات فنعطيه ما شاء مما لم يدخل مثله في خزائنه، وإن كان محتاجًا فما يمنعه أن يشهدَنا فنعطَيه ما شاء بغير ثمن! قال لهم مَنْ حضرهم من أهل القرية: إنّ له من الغني والخزائن وفنون المتاع ما لم يُقْدَر علي مثله؛ إنه استفرغ الخزائن التي كان موسى سار بها من مصر، والحليّ الذي كان بنو إسرائيل أخذوا، وما جمع يوشع بن نون خليفةُ موسى، وما جمع سليمانُ رأس الحكماء والملوك من الغني الكثير والآنية التي لا يقدَر علي مثلها.
قال الأمناء: فما قتاله؟ وبأيّ شيء عظمته؟ وما جنوده؟ أرأيتم لو أنّ ملكًا انحرف عليه ففتق ملكه ما كان إذًا قتالُه إياه؟ وما عدَّتُه وعدد جنوده؟ أم بأيّ الخيل والفرسان غلبته؟ أم من أجل كثرة جمعه وخزائنه وقعت في قلوب الرجال هيبته!
فأجابهم القوم وقالوا: إن أسا الملك قليلةٌ عدّته، ضعيفة قوته، غيرَ أنّ له صديقًا لو دعاه واستعان به علي أن يزيل الجبال أزالها؛ فإذا كان معه صديقه فليس شيء من الخلْق يطيقه.
قال لهم الأمناء: ومَنْ صديق أسَا؟ وكم عدد جنوده؟ وكيف مواجهته وقتالُه؟ وكمْ عدد عساكره ومراكبه؟ وأين قَراره ومسكنه؟
فأجابهم القوم: أمّا مسكنُه ففوق السموات العلا، مستوٍ علي عرشه، لا يُحصي عدد جهوده، وكلّ شيء من الخلق له عبد، لو أمر البحر لطمّ علي