البرّ، ولو أمر الأنهار لغارت في عنصرها، لا يُري ولا يعرف قراره، وهو صديق أسَا وناصره.
فجعل الأمناء يكتبون كلّ شيء أخبِروا به من أمر أسَا وقضية أمره، فدخل بعض هؤلاء الأمناء عليه، فقالوا: يا أيها الملك، إن معنا هدية نريد أن نهديها لك من طرائف بلادنا، أو تشتري منا فنُرخصه عليك.
قال لهم: ائتوني بذلك حتى أنظر إليه، فلما أتوْه به قال لهم: هل يبقي هذا لأهله، ويبقون له؟ قالوا: بل يفني هذا ويفنَي أهله. قال لهم أسَا: لا حاجةَ لي فيه، إنما طَلِبتي ما تبقي بهجتُه لأهله، لا تزول ولا يزولون عنه.
فخرجوا من عنده، وردّ عليهم هديّتهم، فساروا من بيت المقدس متوجهين إلي زرح الهنديّ ملكهم. فلما أتوه نشروا له كتاب خبرهم وأنبؤوه بما انتهي إليهم من أمر ملكهم، وأخبروه بصديق أسا. فلما سمع زرح كلامَهم استحلفهم بعزّته، وبالشمس والقمر اللذين يعبدونهما ولهما يصلُّون ألّا يكتموه من خبر ما رأوا في بني إسرائيل شيئًا. فصدقوه.
فلما فرغوا من خبرهم وخبر أسَا ملكهم وصديقه؛ قال لهم زرح: إن بني إسرائيل لما علِموا أنكم جواسيس، وأنكم قد اطلعتم علي عوراتهم ذكروا لكم صديق أسَا وهم كاذبون؛ أرادوا بذلك ترهيبَكم. إن صديق أسا لا يطيق أن يأتيَ بأكثر من جندي، ولا بأكمل من عدّتي، ولا بأقسي قلوبًا ولا أجرأ علي القتال من قومِي؛ إن لقيَني بألف لقيته بأكثر من ذلك.
ثم عمد زرح عند ذلك فكتب إلي كلّ من في طاعته أن يجهّزوا من كل مخلاف جندًا بعدتهم حتى استمد يأجوج ومأجوج والترك وفارس مع مَنْ سواهم من الأمم ممن جرت عليه لزرح طاعة؛ كتب:
من زرح الجبار الهنديّ ملك الأرضين إلي مَنْ بلغته كتبي: أما بعد فإن لي أرضًا قد دنا حصادُها وأينع ثمرُها؛ وأردت أن تبعثوا إليّ بعمّال أغنّمهم ما حصدوا منها، وهم قوم قصَوْا عني، وغلَبوا علي أطراف من أرضي وقهروا مَنْ تحت أيديهم من رقيقي، وقد منحتهم مَنْ نهض إليهم معي، فإن قصّرتْ بكم قوّة فعندي قوّتكم، فإنه لا تتعطل خزائني.