فاجتمعوا إليه من كلّ ناحية، وأمدّوه بالخيل والفرسان والرّجالة والعدّة؛ فلما اجتمعوا عنده أمكنهم من السلاح والجهاز من خزائنه، ثم أمر بإحصاء عددهم وتعبيتهم، فبلغ عددُهم ألف ألف ومئة ألف سوى أهل بلادهم. وأمر بمئة مركب، فقِرن له البغال، كلّ أربعة أبغُل جميعًا عليها سرير وقبَّة، وفي كلّ قبَّة منها جارية، ومع كلّ مركب عشرة من الخدم، وخمسة أفيال من فيَلته، فبلغ في كلّ عسكر من عساكره مئة ألف، وجعل خاصّته الذين يركبون معه مئة من رؤوسهم، وجعل في كلّ عسكر عُرَفاء، وخطبهم وحرّضهم علي القتال، فلما نظر إليهم وسار فيهم تعزّز وتعظَّم شأنُه في قلوب مَنْ حضره، ثم قال زرح: أين صديق أسَا؟ هل يستطيع أن يعصمَه منّي؟ أو مَنْ يطيق غلبتي؟ فلو أن أسا وصديقَه ينظران إليّ وإلي جندي ما اجترآ علي قتالي؛ لأن عندي بكلّ واحد من جنده ألفًا من جنودي، لَيدخُلنّ أسَا أرضي أسيرًا، ولأقدمنّ بقومه سبيًا في جنودي.
فجعل زرح ينتقص أسَا ويقول فيه ما لا ينبغي، فبلغ أسَا صنيعُ زرح وجمعُه عليه، فدعا ربّه فقال: اللهمّ أنت الذي بقوّتك خلقت السموات والأرض ومَنْ فيهنّ حتى صار جميعُ ذلك في قبضتك، أنتَ ذو الأناة الرفيقة والغضب الشديد، أسألك ألّا تذكرنا بخطايانا فيما بيننا وبينك، ولا تعمدنا ولا تجزينا علي معصيتك؛ ولكن تذكرنا برحمتك التي جعلَتها للخلائق، فانظر إلي ضَعْفنا وقوة عدونا، وانظر إلي قلّتنا وكثرة عدونا، وانظر إلي ما نحن فيه من الضيق والغمّ، وانظر إلي ما فيه عدّونا من الفرح والراحة، فغرّق زرحًا وجنوده في اليمّ بالقدرة التي غرّقتَ بها فرعون وجنوده، وأنجيت موسى وقومه، وأسألك أن تُحِلّ علي زرح وقومه عذابك بغتة!
فأرِيَ أسَا في المنام -والله أعلم- أني قد سمعت كلامَك، وصل إليّ جُؤارُك، وأني علي عرشي، وأني إن غرّقت زرحا الهندي وقَومه، لم يعلم بنو إسرائيل ولا مَنْ كان بحضرتهم كيف صنعت بهم، ولكن سأظهِرُ في زرح وقومِه لك ولمن اتبعك قدرةً من قدرتي، حتى أكفيَك مؤنتهم، وأهبَ لك غنيمتهم، وأضعَ في أيديكم عساكرَهم؛ حتى يعلم أعداؤك: أن صديقَ أسا لا يطاق وليُّه ولا يهزَم جنده، ولا يخيب مُطيعُه، فأنا أتمهل له حتى يفرغ من حاجته، ثم أسوقه إليك عبدًا، وعساكره لك ولقومك خَوَلًا.