نجيُّك موسى، فأنجيت بني إسرائيل من الظلَمة، وأعتقتَهم به من العبودية، وسيّرتهم في البرّ والبحر، وغَرّقت فرعون ومن اتبعه. وبالتضرُّع الذي تضرَّع لك عبدُك داود فرفعتَه، ووهبتَ له من بعد الضعف القوة، ونصرتَه علي جالوت الجبَّار، وهزمتَه، وبالمسألة التي سألك بها سليمان نبيّك فمنحتَه الحكمة، ووهبت له الرفعة، وملَّكته علي كلّ دابّة. أنت محيي الموتي، ومُفني الدنيا، وتبْقَي وحدك خالدًا لا تفني، وجديدًا لا تبلَي، أسألك يا إلهي أن ترحَمني بإجابة دعوتي؛ فإني أعرجُ مسكين من أضعف عبادك، وأقلّهم حيلة، وقد حلَّ بنا كرب عظيم؛ وحَزْبٌ شديد، لا يطيق كشفَه غيرُك، ولا حول ولا قوة لنا إلّا بك، فارحم ضعفنا بما شئت؛ فإنك ترحم من تشاء بما تشاء.
وجعل علماء بني إسرائيل يدعون الله خارجًا وهم يقولون: اللهمّ أجب اليوم عبدك؛ فإنه قد اعتصم بك وحدَك، ولا تخلّ بينه وبين عدوّك، واذكر حبَّه إياك، وفراقَه أمَّه وجميع الخلائق إلا من أطاعك.
فألقي الله علي أسَا النوم وهو في مصلَّاه ساجدًا، ثم أتاه من الله آت -والله أعلم- فقال: يا أسا، إن الحبيب لا يُسلِم حبيبه، وإن الله عزّ وجلّ يقول: إني قد ألقيت عليك محبّتي، ووجَب لك نصري، فأنا الذي أكفيك عدوَّك، فإنه لا يهون مَنْ توكّل عليّ، ولا يضعف مَنْ تقوَّي بي. كنت تذكرني في الرخاء، وأسلمك عند الشدائد! وكنتَ تدعوني آمنًا، وأنا أسلِمك خائفًا! إن الله القويُّ يقول: أنا أقسم أنْ لو كايَدتْك السموات والأرض بمنْ فيهنّ لجعلت لك مِنْ جميع ذلك مخرجًا! فأنا الذي أبعث طرفًا من زبانيَتي يقتلون أعدائي، فإني معك، ولن يخلُص إليك ولا إلي من معك أحد.
فخرج أسا من مصلّاه وهو يحمد الله، مسفرًا وجهُه، فأخبرهم بما قيل له، فأمّا المؤمنون فصدّقوه، وأمّا المنافقون فكذّبوه، وقال بعضهم لبعض: إنّ أسا دخل أعرج وخرج أعرج، ولو كان صادقًا أن الله قد أجابه إذًا لأصلح رجْلَه، ولكن يغرّنا ويمنّينا، حتى تقَع الحرب فينا فيهلِكنا!
فبينا الملك يخبرهم عن صنع الله بهم؛ إذ قدم رسل من زرح فدخلوا إيلياء ومعهم كتب من زرح إلي أسَا، فيها شتمٌ له ولقومه، وتكذيب بالله، وكتَب فيها: أن ادعُ صديقك الذي أضللت به قومَك فليبارزني بجنوده، وليظهرْ لي مع