٧٧١ - وأمّا السلف من أهل العلم فإنهم قالوا في أمرهم أقوالًا مختلفة؛ فمن ذلك ما حدثني القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج عن ابن جُريج، قال: حدّثني يعلى بن مسلم عن سعيد بن جُبَير: أنه سمعه يقول: كان رجل من بني إسرائيل يقرأ، حتى إذا بلغ:{بَعَثْنَا عَلَيكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} بكى، وفاضت عيناه، ثم أطبق المصحف، فقال: ذلك ما شاء الله من الزمان! ثم قال: أي ربّ! أرِني هذا الرجلَ الذي جعلتَ هلاك بني إسرائيل على يديه. فأرِيَ في المنام مسكينًا ببابل يقال له: بختنصَّر، فانطلق بمال وأعبُد له - وكان رجلًا موسرًا - فقيل له: أين تريد؟ فقال: أريد التجارة؛ حتى نزل في ارًا ببابل فاستكراها، ليس فيها أحد غيرُه، فجعل يدعو المساكين ويلطُف بهم حتى لا يأتيَه أحد إلا أعطاه، فقال: هل بقيَ مسكين غيركم؟ فقالوا: نعم مسكين بفجّ آل فلان مريض، يقال له: بختنصّر، فقال لغلمته: انطلقوا بنا فانطلق حتى أتاه فقال: ما اسمك؟ قال: بختنصر فقال لغلمته احتملوه فنقله إليه فمرّضه حتى برئ، وكساه وأعطاه نفقة، ثم أذّن الإسرائيليّ بالرحيل، فبكى بختنصَّر، فقال الإسرائيليّ: ما يبكيك؟ قال: أبكي أنك فعلت بي ما فعلت، ولا أجد شيئًا أجزيك! قال: بلى شيئًا يسيرًا، إن ملكتَ أطعتَني. فجعل الآخر يتبعه ويقول: تستهزئ بي! ولايمنعه أن يعطيه ما سأله إلّا أنه يرى أنه يستهزئ به. فبكى الإسرائيليّ وقال: لقد علمتُ ما يمنعك أن تعطيَني ما سألتُك؛ إلا أن الله عزّ وجلّ يُريد أن يُنفذ ما قضى وكتب في كتابه.
وضرب الدهر من ضربه، فقال صيحون، وهو ملك فارس ببابل: لو أنَّا بعثنا طليعة إلى الشام! قالوا: وما ضرّك لو فعلت! قال: فمن تروْن؟ قالوا: فلان، فبعث رجلًا، وأعطاه مئة ألف، وخرج بختنصّر في مطبخه لا يخرج إلا ليأكل في مطبخه، فلما قدم الشام رأى صاحبُ الطليعة أكثرَ أرض الله فرسًا ورجلًا جلدًا، فكسره ذلك في ذرعه، فلم يسأل؛ فجعل بختنصّر يجلس مجالس أهل الشام فيقول: ما يمنعكم أن تغزوا بابل؟ فلو غزوتموها، فما دون بيت مالِها شيء. قالوا: لا نحسِن القتال ولا نقاتل حتى تنفد مجالس أهل الشام، ثم رجعوا، فأخبَر متقدِّم الطليعة ملكهم بما رأى، وجعل بختنصّر يقول لفوارس الملك: لو دعاني الملك لأخبرته غير ما أخبَره فلان. فرفع ذلك إليه، فدعاه فأخبره الخبر،